القول في تأويل قوله:هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ
قال أبو جعفر:يعني تعالى ذكره بقوله:"هو الذي خلقكم من طين "، أن الله الذي خلق السماوات والأرض, وأظلم ليلهما وأنَار نهارهما, ثم كفر به مع إنعامه عليهم الكافرون, (10) وعدلوا به من لا ينفعهم ولا يضرُّهم . هو الذي خلقكم، أيها الناس، من طين. وإنما يعني بذلك تعالى ذكره:أنَّ الناس وَلدُ مَنْ خلقه من طين, فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم, إذ كانوا وَلَده .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
13049- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله:"هو الذي خلقكم من طين "، بدءُ الخلق، خلقَ الله آدم من طين .
13050 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد:"هو الذي خلقكم من طين "، قال:هو آدم .
13051- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:أمّا "خلقكم من طين "، فآدم .
13052 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة, عن عبيد بن سليمان, عن الضحاك بن مزاحم قال:خلق آدم من طين, وخلق الناس من سُلالةٍ من ماءٍ مَهين .
13053 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"خلقكم من طين "، قال:خلق آدم من طين, ثم خلقنا من آدم حين أخذَنا من ظهره .
* * *
القول في تأويل قوله:ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ
قال أبو جعفر:اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم:معنى قوله:"ثم قضى أجلا "، ثم قضى لكم، أيها الناس،"أجلا ". وذلك ما بين أن يُخْلق إلى أن يموت ="وأجل مسمى عنده "، وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث .
* ذكر من قال ذلك:
13054- حدثنا ابن وكيع وهناد بن السري قالا حدثنا وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبي بكر الهذلي, عن الحسن في قوله:"قضى أجلا "، قال:ما بين أن يخلق إلى أن يموت ="وأجل مسمى عنده "، قال:ما بين أن يموت إلى أن يبعث . (11)
13055 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله:"ثم قضى أجلا وأجلٌ مسمى عِنده "، كان يقول:أجل حياتك إلى أن تموت، وأجل موتك إلى أن تُبْعث. فأنت بين أجَلين من الله تعالى ذكره .
13056 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة, عن عبيد بن سليمان, عن الضحاك بن مزاحم:"قضى أجلا وأجل مسمى عنده "، قال:قضى أجل الموت, وكل نفسٍ أجلها الموت . قال:ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها ="وأجل مسمى عنده "، يعني:أجل الساعة، ذهاب الدنيا، والإفضاءُ إلى الله .
* * *
وقال آخرون:بل معنى ذلك:ثم قضى الدنيا، وعنده الآخرة .
* ذكر من قال ذلك:
13057 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن سفيان, عن أبي حصين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قوله:"أجلا "، قال:الدنيا ="وأجل مسمى عنده "، الآخرة .
13058 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو عاصم, عن زكريا بن إسحاق, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد:"قضى أجلا "، قال:الآخرة عنده ="وأجل مسمى "، الدنيا .
13059- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد:"أجلا "، قال:الآخرة عنده ="وأجل مسمًّى "، قال:الدنيا .
13060- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد:"أجلا "، قال:الآخرة عنده ="وأجل مسمى "، قال:الدنيا .
13061- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة والحسن:"ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده "، قالا قضى أجل الدنيا، من حين خلقك إلى أن تموت ="وأجل مسمى عنده "، يوم القيامة .
13062 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن مجاهد وعكرمة:"ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده "، قال:قَضَى أجل الدنيا ="وأجل مسمى عنده "، قال:هو أجل البعث .
13063- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن مجاهد وعكرمة:"ثم قضى أجلا "، قال:الموت ="وأجل مسمى عنده "، الآخرة .
13064- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة والحسن في قوله:"قضى أجلا وأجل مسمى عنده "، قالا قضى أجل الدنيا، منذ يوم خلقت إلى أن تموت ="وأجل مسمى عنده "، يوم القيامة .
13065- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد:"قضى أجلا "، قال:أجل الدنيا ="وأجل مسمى عنده "، قال:البعث .
13066- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس:"ثم قضى أجلا وأجلٌ مسمى عنده "، يعني:أجل الموت ="والأجل المسمى "، أجلُ الساعة والوقوفِ عند الله .
13067 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:"قضى أجلا "، قال:أمّا "قضى أجلا "، فأجل الموت ="وأجل مسمى عنده "، يوم القيامة .
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
13068 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس في قوله:"ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده "، قال:أمّا قوله:"قضى أجلا "، فهو النومُ، تُقْبض فيه الروح، ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة ="وأجل مسمى عنده "، هو أجل موت الإنسان .
* * *
وقال آخرون بما:-
13069 - حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب في قوله:"هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون "، قال:خلق آدم من طين, ثم خلقنا من آدم, أخذنا من ظهره, ثم أخذ الأجل والمِيثاق في أجلٍ واحد مسمًّى في هذه الحياة الدنيا .
* * *
قال أبو جعفر:وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال:معناه:ثم قضى أجلَ الحياة الدنيا ="وأجلٌ مسمى عنده "، وهو أجل البَعْث عنده .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لأنه تعالى ذكره نبَّه خلقَه على موضع حُجَّته عليهم من أنفسهم فقال لهم:أيها الناس, إن الذي يعدِلُ به كفارُكم الآلهةَ والأندادَ ، هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين, فجعلكم صورًا أجساًما أحياءً، بعد إذ كنتم طينًا جمادًا, ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم, ليعيدكم ترابًا وطينًا كالذي كنتم قبل أن ينشئكم ويخلقكم = وأجل مسمى عندَه لإعادتكم أحياءً وأجسامًا كالذي كنتم قبل مماتكم . (12) وذلك نظير قوله:كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، [سورة البقرة:28].
* * *
القول في تأويل قوله:ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:ثم أنتم تَشكُّون في قدرة من قَدَر على خلق السماوات والأرض, وإظلام الليل وإنارة النهار, وخلقكم من طين حتى صيَّركم بالهيئة التي أنتم بها = على إنشائه إياكم من بعد مماتكم وفنائكم, (13) وإيجاده إيّاكم بعد عدمكم .
* * *
و "المرية "في كلام العرب، هي الشك. وقد بيّنت ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (14)
* * *
وقد:-
13070 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:"ثم أنتم تمترون "، قال:الشك . قال:وقرأ قول الله:فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ[سورة هود:17] ، قال:في شكٍّ منه.
13071 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:"ثم أنتم تمترون "، بمثله .
--------------------
الهوامش:
(10) في المطبوعة:"فكفر به"، أما المخطوطة ، ففيها الذي أثبته إلا أنه كتب"ثمكفر به"ووصل"ثم"بقوله:"كفر"، وهذا من عجب الكتابة ولطائف النساخ.
(11) الأثر:13054 -"وكيع"هو"وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي".
وأبوه:"الجراح بن مليح الرؤاسي"، مضيا في مواضع مختلفة.
و"أبو بكر الهذلي"مختلف في اسمه قيل هو:"سلمى بن عبد الله بن سلمى"، وقيل:"روح بن عبد الله". ومضى برقم:597 ، 8376 ، وهو ضعيف.
(12) انظر تفسير"الأجل"فيما سلف 5:7/6:43 ، 76/8:548.
= وتفسير"مسمى"فيما سلف 6:43.
(13) في المطبوعة:"وعلى إنشائه"بزيادة الواو ، وهي مفسدة وهي خطأ صرف ، لم يفهم سياق أبي جعفر ، فإن قوله:"على إنشائه إياكم"متعلق بقوله:"ثم أنتم تشكون في قدرة من قدر . . ."، أي:تشكون في قدرة من فعل ذلك ، على إنشائه إياكم.
(14) انظر تفسير"الامتراء"فيما سلف 3:190 ، 191/6:472.