القول في تأويل قوله تعالى:فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ ) فقال بعضهم معناه:فمن يكذّبك يا محمد بعد هذه الحجج التي احتججنا بها، بالدين، يعني:بطاعة الله، وما بعثك به من الحقّ، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا:"ما "في معنى "مَنْ"، لأنه عُنِيَ به ابن آدم، ومن بعث إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:فما يكذّبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا عبد الرحمن، قال:ثنا سفيان، عن منصور، قال:قلت لمجاهد:( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) عني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال:معاذ الله! عُني به الإنسان.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عمن سمع مجاهدا يقول:( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) قلت:يعني به:النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال:معاذ الله! إنما يعني به الإنسان.
دثنا أبو كُرَيب، قال:ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) أعني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال:معاذ الله! إنما عُنِيَ به الإنسان.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبيّ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) ؟ إنما يعني الإنسان، يقول:خلقتك في أحسن تقويم، فما يكذّبك أيها الإنسان بعد بالدين.
وقال آخرون:إنما عني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل له:استيقن مع ما جاءك من الله من البيان، أن الله أحكم الحاكمين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) أي استيقن بعد ما جاءك من الله البيان ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال:معنى "ما "معنى "مَنْ",ووجه تأويل الكلام إلى:فمن يكذبك يا محمد بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين؟ يعني:بطاعة الله، ومجازاته العباد على أعمالهم. وقد تأوّل ذلك بعض أهل العربية بمعنى:فما الذي يكذّبك بأن الناس يدانون بأعمالهم؟ وكأنه قال:فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب، بعد ما تبين له خلقنا الإنسان على ما وصفنا.
واختلفوا في معنى قوله:( بِالدِّينِ ) فقال بعضهم:بالحساب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الرحمن بن الأسود الطُّفاوي، قال:ثنا محمد بن ربيعة، عن النضر بن عربيّ، عن عكرِمة، في قوله:( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) قال:الحساب.
وقال آخرون:معناه:بحكم الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) يقول:ما يكذّبك بحكم الله.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال:الدين في هذا الموضع:الجزاء والحساب، وذلك أن أحد معانى الدين في كلام العرب:الجزاء والحساب؛ ومنه قولهم:&; 24-516 &; كما تدين تُدان. ولا أعرف من معاني الدين "الحكم "في كلامهم، إلا أن يكون مرادا بذلك:فما يكذّبك بعد بأمر الله الذي حكم به عليك أن تطيعه فيه؟ فيكون ذلك.