ثم حكى- سبحانه- ضراعة أخرى تضرع بها المؤمنون إلى خالقهم فقال:رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ.
أى:يا ربنا إنك جامع الناس:محسنهم ومسيئهم، مؤمنهم وكافرهم. ليوم لا شك في وقوعه وحصوله وهو يوم الحساب والجزاء، لتجازى الذين أساءوا بما عملوا وتجازى الذين أحسنوا بالحسنى. فأنت- سبحانك- لم تخلق الخلق عبثا، ولن تتركهم سدى، وإنما خلقتهم لرسالة عظمى هي عبادتك وطاعتك. فمن استجاب لك تفضلت عليه بالثواب العظيم، ومن أعرض عن طاعتك عاقبته بما يستحقه.
وقوله إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ تعليل لمضمون الجملة المؤكدة أو لانتفاء الريب في وقوع يوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب.
أى إنك يا مولانا لا تخلف ما أخبرت به عبادك من أن هناك يوما لا شك في وقوعه، تجازى فيه الناس على أعمالهم بمقتضى إرادتك ومشيئتك.
وفي هذه الآية الكريمة إشعار بأن نهاية أمل المؤمنين أن يظفروا بالجزاء الحسن من خالقهم يوم القيامة، لأنهم بعد أن سألوه تثبيت الإيمان وسعة الرحمة، توجهوا إليه بالمقصود الأعظم وهو حسن الثواب يوم القيامة. فكأنهم قالوا- كما يقول الرازي-:ليس الغرض من تلك الدعوات ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها فانية وإنما الغرض الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة، ونعلم أن وعدك لا يكون خلفا، وكلامك لا يكون كذبا فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد، ومن أعطيته التوفيق والهداية والرحمة وجعلته من المؤمنين، بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآبدين فالغرض الأعظم من ذلك الدعاء ما يتعلق بالآخرة».
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد اشتملنا على دعوات كريمات بليغات، من شأنها أن تسعد الناس في دينهم ودنياهم. والله نسأل أن ينفعنا بها إنه مجيب الدعاء، وأرحم الراحمين.
وبعد هذا الدعاء الجامع الحكيم الذي حكاه الله- تعالى- عن عباده المؤمنين عقب ذلك بالحديث عن الكافرين، وعن أسباب كفرهم وغرورهم، وعن سوء عاقبتهم فقال تعالى: