{ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد} هذه هي الضراعة الثانية التي اقترنت بآية المحكم و المتشابه في القرآن ، و الكلام فيها كالكلام في الآية السابقة ، من حيث كون هذا الدعاء من مقول الراسخين في العلم ، أو تعليم من الله للراسخين في العلم من المؤمنين ، و كلاهما ينتهي إلى أن هذه الضراعة إن صدرت عن القلب تكون مانعة له من الزيغ ، فإن الإيمان باليوم الآخر لب الإيمان ، و هو يربي الإذعان ، و فيه كل معاني التفويض ، و به يستعين المؤمن على محاربة داعي الهوى و الشهوة . و قوله تعالى على لسان المؤمن الراسخ في العلم:{ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه} تنبيه إلى أن في هذا اليوم يتبين الحق ، و يواجه المحق و المبطل ، و يعلن الذين يزيغون و الذين يذعنون ، و يتبين زيغ الزائغ و جزاؤه ، و ثمرات الإيمان و جزاءه . و في هذا تنبيه أيضا إلى أن اليوم الآخر لا ينبغي أن يكون محل ريب ، لأن الذي أخبر به هو الذي خلق الخلق ، فهو الذي بدأهم ، و هو الذي يعيدهم ، و لأنه سبحانه ما خلق الخلق عبثا ، و ما ترك الأمر للباطل و المبطلين يرتعون في الأرض و يفسدون ، بل جعل للحق سلطانا ، و جعل له العلو ، فإن لم يكن في الحال ، فإنه سيكون لا محالة في المآل ، و الله على كل شيء قدير .
و الأساس في العلم باليوم الآخر هو إخبار الله تعالى الذي لا يحتمل إخلافا ، و لذلك قال سبحانه بعد ذلك:{ إن الله لا يخلف الميعاد} أي إن اليوم الآخر الذي لا ينبغي لمؤمن أن يرتاب فيه هو وعد الله الذي وعد به المتقين ، و نذيره الذي أنذر به الجاحدين الضالين ، و الله سبحانه و تعالى لا يخلف الميعاد . و في هذه الجملة السامية{ إن الله لا يخلف الميعاد} إشارة إلى الجزاء الأخروي و ما فيه من جزاء بعد الحساب ، فهي تتضمن تبشيرا للمؤمنين ، و إنذارا للعاصين الكافرين . جعلنا الله من المتقين المهتدين ، الذين لا يزيغون في فهم دينه ، و تفهم قرآنه ، و المذعنين للحق الطالبين له .