ثم بين- سبحانه- جانبا من الأمور التي استأثر- عز وجل- بعلمها فقال:إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أى:عنده وحده علم وقتها، وعلم قيامها، كما قال- تعالى-:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي، لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ...
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ أى:وينزل بقدرته المطر، ويعلم وحده وقت نزوله. وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ أى:ويعلم ما في أرحام الأمهات من ذكر أو أنثى.
وَما تَدْرِي نَفْسٌ من النفوس كائنة من كانت ماذا تَكْسِبُ غَداً من خير أو شر، ومن رزق قليل أو كثير، لأنها لا تملك عمرها إلى الغد.
وَما تَدْرِي نَفْسٌ من النفوس- أيضا- كائنة من كانت بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ أى:بأى مكان ينتهى أجلها.
إِنَّ اللَّهَ- تعالى- عَلِيمٌ بكل شيء خَبِيرٌ بما يجرى في نفوس عباده.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، جملة من الأحاديث والآثار، منها ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر- رضى الله عنهما- قال:قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ هذه الآية» ..
وعن مجاهد قال:جاء رجل من أهل البادية فقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم:«إن امرأتي حبلى فأخبرنى ما تلد؟ وبلادنا جدبة فأخبرنى متى ينزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت فأخبرنى متى أموت؟ فأنزل الله الآية» .
وهذه الأمور الخمسة من الأمور التي استأثر الله- تعالى- بها على سبيل العلم اليقيني الشامل المطابق للواقع..
ولا مانع من أن يطلع الله- تعالى- بفضله وكرمه، بعض أصفيائه على شيء منها.
وليست المغيبات محصورة في هذه الخمسة، بل كل غيب لا يعلمه إلا الله- تعالى- داخل فيما استأثر الله- تعالى- بعلمه، وإنما خصت هذه الخمسة بالذكر لأنها من أهم المغيبات، أو لأن السؤال كان عنها.
وما يخبر به المنجم والطيب وعلماء الأرصاد الجوية من الأمور التي لم تتكشف بعد، فمبناه على الظن لا على اليقين، وعلى احتمال الخطأ والصواب.
أما علم الله- تعالى- بهذه الأمور وغيرها، فهو علم يقيني قطعى شامل. لا يحتمل الظن أو الشك أو الخطأ.
وصدق الله إذ يقول:وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ، وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.
وبعد:فهذا تفسير محرر لسورة «لقمان» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..