أسباب النزول | المصدر |
---|---|
قال الواحدي: قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في السبعين الذين اختارهم. موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى فلما ذهبوا معه إلى الميقات وسمعوا كلام الله وهو يأمره وينهاه فلما رجعوا إلى قومهم فأما الصادقون فأدوا كما سمعوا. وقالت طائفة منهم: سمعنا الله في آخر كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس. وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: أما الأول فأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المقدم ذكره عن ابن عباس قال: قال الله تعالى لنبيه ولمن آمن معه يؤيسهم من إيمان اليهود {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ الله} وهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة. قال محمد بن إسحاق فحدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا: يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية ربنا، فأسمعنا كلامه حين يكلمك فطلب موسى ذلك إلى ربه فقال له: مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم وليصوموا ففعلوا وخرج بهم إلى الطور فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجودا وكلمه ربه فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم، حتى عقلوا ما سمعوا ثم انصرف بهم إلى قومه فحرف فريق منهم ما سمعوا فحين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله يأمركم بكذا وكذا قال ذلك الفريق: إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال موسى فهم الذين عنى الله في قوله لرسوله محمد: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَه} الآية. فهذا كما ترى لم ينسبه ابن إسحاق في روايته لابن عباس وإنما ذكر فيما أسنده عن ابن عباس أصل القصة وهذا التفصيل إنما أسنده عن بعض أهل العلم ولم يسمه، وأخلق به أن يكون عنى الكلبي أو بعض أهل الكتاب، فإن من جملة ما عابوه على ابن إسحاق أنه كان يعتمد على أخبار بعض أهل الكتاب فيما ينقله عن الأخبار الماضية. وأما ابن الكلبي فإنه ذكر هذا في "تفسيره" عن أبي صالح وهو من رواية محمد بن مروان السدي الصغير عنه وقد تقدم أن هذه سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب. وقد ذكر يحيى بن سلام وهو أصلح حالا من محمد بن مروان بكثير فقال: "قال الكلبي بلغني أنهم السبعون الذين اختار موسى" ثم قص القصة نحو ما ساقها ابن إسحاق وفي آخرها: فلما رجعوا إلى العسكر قال لهم مَنْ لم يكن معهم: ماذا قال ربكم؟ قالوا: أمرنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا. هذا قول الذين صدقوا منهم وأما الذين كذبوا فقالوا: نعم قال ما قلتم ولكن وسع لنا في آخر ذلك فقال: إن لم تستطيعوا إلا الذي نهيتكم عنه فافعلوا قال: فلما قدم محمد صلى الله عليه وسلم المدينة كلم اليهود ودعاهم إلى الله عز وجل وإلى الإيمان بكتابة فجحدوا وكتموا، فأنزل الله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّه} الآية. وأما مقاتل بن سليمان فأورده مختصرا فقال: قوله {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ الله} نزلت في السبعين الذين اختار موسى ليذهبوا معه حتى يسمعوا كلام الله فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله وهو يأمر وينهى، فلما رجعوا أدى الصادقون ما سمعوا، وأما طائفة منهم فقالوا: سمعنا الله في آخر كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا. وأخرج الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال: كانوا يسمعون الوحي فيسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة ثم يحرفونه من بعدما عقلوه، وقد استنكر ابن الجوزي القصة المتقدم ذكرها فقال: أنكر الحكيم الترمذي أن يكون أحد من بني إسرائيل سمع كلام الله غير موسى لأن ذلك من خصائص موسى. قال ابن الجوزي: وهذا هو المعتمد والآثار الواردة في ذلك واهية لأنها من رواية ابن إسحاق عن بعض أهل العلم ومن تفسير مقاتل والكلبي وليس واحد من هذا بحجة انتهى. ورجح الطبري أنهم كانوا يسمعون قال: وذلك أن الله أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله، استعظاما من الله عز وجل لما كانوا يأتون من البهتان، بعد توكيد الحجة عليهم إيذانا عباده المؤمنين بقطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما جاءهم به محمد فقال: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء إياكم، وإنما تخبروهم عن غيب لم يشاهدوه وقد كان بعض سلفهم يسمع من الله كلامه بأمره ونهيه، ثم يبدله ويجحده فهؤلاء الذين بين أظهركم أحرى أن يجحدوا ما آتيتموهم به انتهى. وعلى هذا فالذي اختص به موسى هو كلام الله سبحانه وتعالى على قصد مخاطبته إياه لا مطلق سماع الكلام ويحتمل أن يكون أولئك إنما كانوا يسمعون كلام الله عز وجل من بعض الملائكة فيكون لهم بذلك المزية على من بعدهم بما يدل عليه سياق الآية كما أشار إليه الطبري، ويصح ما أطلقه الترمذي ومن تبعه من اختصاص موسى بسماع كلام الله سبحانه وتعالى، على أن في الحصر نظرًا فظواهر القرآن والأحاديث تدل على أن موسى عليه السلام اختص بقدر زائد من ذلك لا مطلق الكلام والله أعلم. ' | المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة |