قوله عز وجل : { قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ } . قيل في قوله تعالى : { لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا } وجهان ، أحدهما : لا يخافون عقابنا ؛ لأن الرجاء يقام مقام الخوف ، ومثله قوله : { ما لكم لا ترجون لله وقاراً } [ نوح : 13 ] قيل : معناه لا تخافون لله عظمة .
والوجه الآخر : لا تطمعون في ثوابنا ؛ كقولهم تاب رجاءً لثواب الله وخوفاً من عقابه . والفرق بين الإتيان بغيره وبين تبديله أن الإتيان بغيره لا يقتضي رفعه بل يجوز بقاؤه معه ، وتبديلُهُ لا يكون إلا برفعه ووضع آخر مكانه أو شيء منه . وكان سؤالهم لذلك على وجه التعنت والتحكم ، إذ لم يجدوا سبباً آخر يتعلقون به ، ولم يَجُزْ أن يكون الأمر موقوفاً على اختيارهم وتحكمهم لأنهم غير عالمين بالمصالح ، ولو جاز أن يأتي بغيره أو يبدّله بقولهم لقالوا في الثاني مثله في الأول وفي الثالث مثله في الثاني فكان يصير دلائل الله تعالى تابعة لمقاصد السفهاء ، وقد قامت الحجة عليهم بهذا القرآن ، فإن لم يكن يقنعهم ذلك مع عجزهم فالثاني والثالث مثله .
وربما احتجّ بهذه الآية بعض من يأبَى جواز نسخ القرآن بالسنة ؛ لأنه قال : { قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } ومُجِيزُ نسخ القرآن بالسنة مجيزٌ لتبديله من تلقاء نفسه . وليس هذا كما ظنوا ؛ وذلك لأنه ليس في وُسْعِ النبي صلى الله عليه وسلم تبديل القرآن بقرآن مثله ولا الإتيان بقرآن غيره ، وهذا الذي سأله المشركون ولم يسألوه تبديل الحكم دون اللفظ ، والمستدلّ بمثله في هذا الباب مغفل . وأيضاً فإن نَسْخَ القرآن لا يجوز عندنا إلا بسنّة هي وَحْيٌ من قِبَلِ الله تعالى ، قال الله عز وجل : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يُوحَى } [ النجم : 3 و 4 ] فنَسْخُ حكم القرآن بالسنة إنما هو نسخٌ بوحي الله لا من قِبَلِ النبي صلى الله عليه وسلم .