قوله تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْني مِنْ أَهْلي } ، سمَّى ابنه من أهله ، وهذا يدل على أن من أوصى لأهله بثلث ماله أنه على من هو في عياله ابناً كان أو زوجة أو أخاً أو أجنبيّاً ، وكذلك قال أصحابنا . والقياس أن يكون للزوجة خاصة ، ولكن استحسن فجعله لجميع من تضمنه منزله وهو في عياله ، وقول نوح عليه السلام يدل على ذلك ؛ وقال الله تعالى في آية أخرى : { ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم } [ الصافات : 75 و 76 ] فسمَّى جميع من ضمه منزله وسفينته من أهله . وقول نوح عليه السلام : " إن ابني من أهلي " يعني من أهلي الذين وعدتني أن تنجيهم ، فأخبر الله تعالى أنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم .
قوله تعالى : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } ، قيل فيه : معناه ذو عمل غير صالح ، فجاء على المبالغة في الصفة كما قالت الخنساء :
* تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتَّى إذا ادَّكَرَتْ * فإنّما هي إِقْبَالٌ وإِدْبَارُ *
تعني : ذات إقبال وإدبار ، أو مقبلة ومدبرة . ورُوي عن ابن عباس ومجاهد وإبراهيم قال : " سؤالك هذا عمل غير صالح " . وقرأ الكسائي : " إنه عَمِلَ غَيْرَ صَالح " على الفعل ونصب غير . ورُوي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك أنه كان ابنه لصلبه ؛ لأنه قال تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ } . وقال : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } يعني ليس من أهل دينك . ورُوي عن الحسن ومجاهد أنه لم يكن ابنه لصلبه وكان لغير رشدة ؛ وقال الحسن : وكان منافقاً يُظهر الإيمان ويُسِرُّ الكفر . وقيل : إنه كان ابن امرأته . وإنما كان نوح يدعوه إلى الركوب مع نَهْي الله عز وجل إياه أن يركب فيها كافر لأنه كان ينافق بإظهار الإيمان ، وقيل إنه دعاه على شريطة الإيمان كأنه قال : آمِنْ وارْكَبْ معنا .