قوله تعالى : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والإِحْسَانِ وإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ } . أما العدل فهو الإنصاف ، وهو واجب في نظر العقول قبل ورود السمع ، وإنما ورد السمع بتأكيد وجوبه . والإحسانُ في هذا الموضع التفضل ، وهو نَدْبٌ ، والأوّل فرض . وإيتاء ذي القربى فيه الأمر بصلة الرحم .
وقوله تعالى : { يَأْمُرُ بِالعَدْلِ } ، قد انتظم العدل في الفعل والقول ، قال الله تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا } [ الأنعام : 152 ] ، فأمر بالعدل في القول ، وهذه الآية تنتظم الأمرين . وأما قوله تعالى : { وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ } ، فإنه قد انتظم سائر القبائح والأفعال والأقوال والضمائر المنهيّ عنها . والفحشاءُ قد تكون بما يفعله الإنسان في نفسه مما لا يظهر أمره ، وهو مما يعظم قبحه ، وقد تكون مما يظهر من الفواحش ، وقد تكون لسوء العقيدة والنِّحَلِ ؛ لأن العرب تسمِّي البخيل فاحشاً . والمنكرُ : ما يظهر للناس مما يجب إنكاره ، ويكون أيضاً في الاعتقادات والضمائر ، وهو ما تستنكره العقول وتأباه . والبَغْيُ : ما يتطاول به من الظلم لغيره . فكلّ واحد من هذه الأمور الثلاثة له في نفسه معانٍ خاصة تنفصل بها من غيره .