قوله تعالى : { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وأَشْعَارِهَا أَثَاثاً ومَتَاعاً إِلَى حِينٍ } ؛ فيه الدلالة على جواز الانتفاع بما يُؤخذ منها من ذلك بعد الموت ، إذْ لم يفرق بين أخذها بعد الموت وقبله .
مطلب : ما من حكم من أحكام الدين إلا وفي الكتاب تبيانه .
قوله تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } ؛ يعني به والله أعلم : تبيان كل شيء من أمور الدين بالنصّ والدلالة ؛ فما من حادثة جليلة ولا دقيقة ، إلا ولله فيها حكم قد بيّنه في الكتاب نصّاً أو دليلاً ، فما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم فإنما صدر عن الكتاب بقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [ الحشر : 7 ] ، وقوله تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله } [ الشورى : 52 و 53 ] ، وقوله : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء : 80 ] ؛ فما بيّنه الرسول فهو عن الله عز وجل ، وهو من تِبيان الكتاب له ، لأمر الله إيانا بطاعته واتباع أمره ، وما حصل عليه الإجماعُ فمصدره أيضاً عن الكتاب ؛ لأن الكتاب قد دلّ على صحة حجة الإجماع ، وأنهم لا يجتمعون على ضلال ، وما أوجبه القياس ، واجتهاد الرأي ، وسائر ضروب الاستدلال ، من الاستحسان وقبول خبر الواحد ، جميع ذلك من تِبْيانِ الكتاب ؛ لأنه قد دلّ على ذلك أجمع ، فما من حكم من أحكام الدين إلا وفي الكتاب تبيانه من الوجوه التي ذكرنا .
مطلب : هذه الآية دالّة على صحة القول بالقياس .
وهذه الآية دالّةٌ على صحة القول بالقياس ؛ وذلك لأنّا إذا لم نجد للحادثة حُكْماً منصوصاً في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع ، وقد أخبر الله تعالى أن في الكتاب تبيان كل شيء من أمور الدين ، ثبت أن طريقه النظر والاستدلال بالقياس على حكمه ، إذ لم يبق هناك وَجْهٌ يوصل إلى حكمها من غير هذه الجهة ؛ ومن قال بنصٍّ خفيّ أو بالاستدلال ، فإنما خالف في العبارة ، وهو موافق في المعنى ، ولا ينفكُّ من استعمال اجتهاد الرأي والنظر والقياس من حيث لا يشعر .