يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم -:( ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ) يعني أمته .
أي:اذكر ذلك اليوم وهوله وما منحك الله فيه من الشرف العظيم والمقام الرفيع . وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدر سورة "النساء "فلما وصل إلى قوله تعالى:( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) [ النساء:41] . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"حسبك ". قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:فالتفت فإذا عيناه تذرفان .
وقوله:( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) قال ابن مسعود:[ و] قد بين لنا في هذا القرآن كل علم ، وكل شيء .
وقال مجاهد:كل حلال وحرام .
وقول ابن مسعود أعم وأشمل ; فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق ، وعلم ما سيأتي ، وحكم كل حلال وحرام ، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم ، ومعاشهم ومعادهم .
( وهدى ) أي:للقلوب ، ( ورحمة وبشرى للمسلمين )
وقال الأوزاعي:( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) أي:بالسنة .
ووجه اقتران قوله:( ونزلنا عليك الكتاب ) مع قوله:( وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ) أن المراد - والله أعلم -:إن الذي فرض عليك تبليغ الكتاب - الذي أنزله عليك - سائلك عن ذلك يوم القيامة ، ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) [ الأعراف:6] ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) [ الحجر:92 ، 93] ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ) [ المائدة:109] وقال تعالى:( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) [ القصص:85] أي:إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إليه ، ومعيدك يوم القيامة ، وسائلك عن أداء ما فرض عليك . هذا أحد الأقوال ، وهو متجه حسن .