/م84
المفردات:
شهيدا على هؤلاء:المراد بهؤلاء:أمته ، الحاضر منهم بعد عصر التنزيل ،ومن بعدهم إلى يوم القيامة .
تبيانا:بيانا لأمور الدين ، إما نصا فيها ،أو ببيان الرسول واستنباط العلماء المجتهدين في كل عصر .
التفسير:
{ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} .
تستعرض الآيات موقف المشركين يوم القيامة ،وزيادة العذاب ومضاعفته لهم ،ويستكمل المشهد بمجيء النبيين والشهداء ،أي:الصالحين من أتباع الأنبياء ؛ليشهدوا للمؤمنين بالإيمان والاستجابة للدعوة له وليشهدوا على الكافرين بالكفر والتكذيب ،ثم يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم شهيدا على أمته ،وعلى أهل مكة ،وغيرهم ممن بلغتهم الدعوة ،ومنزلة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة معروفة ،فقد آتاه الله الشفاعة والمقام المحمود الذي يحمده عليه جميع الخلائق ،ويرى بعض المفسرين:أن شهادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تكون للأنبياء والأمم كلها ،لكن السياق يرجع أن شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أرسل إليهم سابقا أو لاحقا ،وقريب من ذلك ما روي عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:( اقرأ علي القرآن ) ، قلت:يا رسول الله ، أقرؤه عليك وعليك أنزل ؟!قال:( نعم ،إني أحب أن أسمعه من غيري ) ،فقرأت صدرا من سورة النساء فلما وصلت إلى قوله تعالى:{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}( النساء:41 ) .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:( حسبك ) ،قال ابن مسعود:فالتفتت فإذا عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان55 .
{ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} .أي: نزلنا عليك القرآن مشتملا على أصول العقائد ،وبيان الحلال والحرام ،وبيان ألوان الهداية والرحمة ،وبشارة المسلمين بالجزاء الأوفى .
والسنة المطهرة مشتملة على بيان القرآن وتوضيحه وتفسيره .
قال تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} ( النحل:44 ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( إني أوتيت الكتاب ومثله معه )56 .
ويلحق ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ،بيان الصحابة والتابعين ،قال صلى الله عليه وسلم:( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضّوا عليها بالنواجذ )57 .
كما أوضح القرآن: وجوب اجتهاد من استكمل شروط الاجتهاد ،وبذل الجهد في استنباط الأحكام ،قال تعالى:{ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ...}( النساء:83 ) .
وأوضح:أن إجماع المسلمين على أمر يجب إتباعه وعدم مخالفته ،وبذلك أصبح الإجماع من أصول التشريع .
قال تعالى:{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ...}( النساء:115 ) .
وأرشد القرآن إلى استخدام القياس بقوله تعالى:{فاعتبروا يا أولي الأبصار} ( الحشر:2 ) .
والاعتبار هو النظر والاستدلال اللذان يحصل بهما القياس ،وهو حمل النظير على النظير ،وقياس أمر لا حكم له ،على أمر معروف الحكم ؛ لاشتراكهما في العلة ،وبهذه الطرق فتح الإسلام أبواب الاجتهاد والاستنباط ، أمام العلماء المختصين ،وأرشد الناس إلى إتباع العلماء في اجتهادهم .
قال تعالى:{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}( النحل:43 ) .
كما حث القرآن على استخدام العقل والفكر والرأي ،وأوجب على المسلمين أن تكون منهم أمة من أهل الاختصاص والنظر ،تتابع أمور المسلمين ،وتجتهد في شئونهم ،ومعرفة أحكام ما يستجد من أمور وأحداث ،قال تعالى:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ( التوبة:122 ) .
وبهذا فتح القرآن ينابيع الفكر والفقه والرأي ،ووضع أصول الاجتهاد ،وبين قواعد التشريع ،التي تعتمد على القرآن والسنة والاجتهاد والإجماع والقياس ،وسيظل القرآن الكريم كلي الشريعة وأصل أصولها فهو بحق تبيان وبيان وإرشاد لكل شيء ؛ لأنه حث على اتباع السنة ،وبين أصول الاجتهاد والاستنباط ،واشتمل القرآن على بيان الرحمة والتيسير ،والبشارة بالجنة للمؤمنين الطائعين ،وبالنار للمكذبين وأرشد إلى الفضائل ،ونهى عن الرذائل .