{تِبْيَانًا}: بياناً .
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنفُسِهِمْ} ؛لأن قيمة الشهيد من الداخل ،أنه يفهم القضايا المحيطة بالمسألة بعمق ،فلا يكتفي بظواهرها ،بل ينفذ إلى بواطنها ،حيث المشاعر التي تفسِّر كثيراً من الأوضاع والخلفيات التي تتحرك من خلالها قضايا الواقع ،مما لا يمكن أن يفهمه الآخرون الذين يأتون من خارج المجتمع غالباً إلا بجهدٍ كبير .وقد كرر هذه الفقرة في هذه الآية ،تمهيداً للفقرة التالية:{وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلآءِ} ،والظاهر أن الإشارة بهؤلاء إلى الذين كذبوا محمداً( ص ) من قريش وغيرهم ،ولكن ليس معنى ذلك اختصاص شهادة الرسول بهؤلاء ؛لأن التعبير لا ينفي امتداد شهادته لغيرهم ،باعتبار أن الحديث يتحرك في أجواء المواقع التي نزلت فيها الآية ،وتبقى للآيات الأخرى ،وللفكرة العامة التي تتحرك على أساسها الشهادة ،ما يمكن أن يكون بياناً لسعة المساحة الزمنية والمكانية التي تنطلق فيها شهادة النبي على أمته ،في زمانه وغير زمانه ،ولكن بشكلٍ مباشرٍ تارةً ،وبشكلٍ غير مباشرٍ أخرى .
الكتاب تبيان وهدى ورحمة
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} يحتاجه الناس في حياتهم العامة ،في ما يتعلق بنظامهم العقيدي والشرعي والأخلاقي ،على مستوى المفردات والمنهج ،وليس من الضروري أن يكون المراد بكل شيءٍ ،ما يشمل العلوم بكل تفاصيلها ،والأشياء والموجودات بكل جزئياتها ؛لأن ذلك ليس من شأن الرسالة ،ولا من مهمة الأنبياء ،ولم ينقل في تاريخهم الطويل أي عملٍ أو دعوةٍ تشير إلى ذلك .
{وَهُدًى وَرَحْمَةً} ،في ما يوضحه الله في الكتاب للناس من وسائل الهدى وأسبابه ،وما يمهده لهم من طرق الهدى وسبله ،وفي ذلك كل الرحمة للإنسان ؛لأنه ليس هناك رحمة أكثر وأعلى من المعرفة بالنهج الذي يحقق للإنسان الهداية في الدنيا والآخرة .{وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} الذين أسلموا أمرهم لله ،فالتزموا بشرائعه ،وأقرّوا بمنهجه ،وانفتحوا على الحياة كلها من خلاله .