وقد ذكر سبحانه وتعالى وقت ذلك العذاب ، فقال عز من قائل:
{ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ( 89 )} .
{ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم} ، ( يوم ) منصوب فعل محذوف معناه ، واذكر يوم نبعث في كل أمة شهيدا{ من أنفسهم} ، أي منهم ، ومن أنفسهم قومه كما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في العرب من أنفسهم ، وكلمة{ نبعث} تدل على أنه يبعثه الله تعالى مع قومه شهيدا لهم أو عليهم يوم القيامة ، ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بعث في كل أمة شهيدا عليهم يبلغهم في حياته ، ويشهد عليهم يوم القيامة{ وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} والجمع بين المضارع في قوله:{ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم} ، والماضي في قوله تعالى:{ وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} يدل على أن البعث في الدنيا بإرسال الرسل مبشرين ، ومنذرين ، والنبي صلى الله عليه وسلم شهيد على كل الرسل ؛ لأن رسالته هي الكاملة ، وهي المتضمنة لكل الرسالات الإلهية كلها ، فالإسلام دين الله ، وهو دين النبيين أجمعين ، وهو خاتم الرسالات كلها .
وتدل بهذا الجمع بين الماضي والمستقبل بأن الله تعالى يبعث مع كل أمة يوم القيامة شهيدا عليها بأنه أدى الرسالة وشهيدا لمن آمن واتقى ، وشاهدا على من كفر وعصى .
وبالنسبة للبعث الدنيوي وشهادة الرسول على الرسل أجمين ذكر القرآن الكريم الذي نزل مصدقا لما بين يديه وشاهدا للرسل أجمعين قال تعالى:{ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} .
وصفه الله تعالى بأربعة أوصاف كاملة .
الوصف الأول – أنه تبيان كل شيء أي فيه بيان كامل لكل شيء من شئون الرسالات الإلهية للبشر ، ففيه خير رسالات النبيين السابقين ، وفيه بين الأحكام المحكمة التي لم يعرها نسخ من الشرائع الإلهية كلها ، وفي المعجزات التي جاءت بها الرسل معجزة معجزة ، ولولا القرآن الكريم ما علمت على درجة اليقين معجزة لنبي أو رسول ، لأنه الكتاب المحفوظ المتواتر حقا وصدقا .
والوصف الثاني – أنه هدى ، فهو يشتمل على الهداية ، كما قال قائل الجن:
{ يهدي إلى الرشد . . .( 2 )} [ الجن] ويبين السبيل الأقوم والطريق المستقيم .
والوصف الثالث – أنه الرحمة ؛ لأن شريعته رحمة للعالمين فهي بنظامها واقتصادها وحدوها ، وكل عقوباتها رحمة للكافة من الأمة ، وإن كانت فيها قسوة أحيانا على الآحاد ، ففيها رحمة للعباد .
والوصف الرابع –{ وبشرى للمسلمين} فيه التبشير للمؤمنين بالجنة ، والإنذار للكافرين بالنار ، وذكرت البشرى دون النذر لأنها التي تتناسب مع الرحمة ، والله ولي المؤمنين .