الصد عن سبيل الله ومقام الرسالة المحمدية
إن المشركين كانوا لا يكتفون بشركهن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، بل كانوا يؤذون المؤمنين ليفتونهم عن دينهم ، ويستقبلون وفود الحجيج ، ليخبروهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد اقتسموا مداخل مكة ليمنعوا الناس عن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم لا يكتفون بشركهم ، بل كانوا يصدون الناس عن الحق ، وهو سبيل الله والطريق الصحيح الموصل لعبادته ، فهؤلاء لهم عذابان:عذاب الشرك ، وعذاب الصد عن سبيل الله ، زاده الله تعالى عليهم ؛ لأنهم زادوا على أنفسهم رجسا بعد رجس ؛ ولذا قال تعالى:
{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ( 88 )} .
{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله} وهم الذين لم يؤمنوا بالرسالة المحمدية ، والكفر يشمل الشرك بالله بعبادة الأوثان ، وأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبعض من نسميهم أهل كتاب يدخلون في الشرك من بابه ، وهم الذين يعبدون المسيح ، أو يقولون:إنه ابن الله ، ويصفونه بالرب ويعبدون روح القدس ، ويقولون الله ثالث ثلاثة ، فكلمة الذين كفروا يدخل في عمومها أهل الكتاب كما قال تعالى:{ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( 1 )} [ البينة] وقد ذكر الله تعالى ذلك الوصف للمشركين وأهل الكتاب ؛ لأن الصد عن سبيل الله وقع من المشركين ، ووقع من أهل الكتاب في عصر تبليغ الرسالة ، وهو الآن يقع على أشده من أهل الكتاب .
وقد كان صد المشركين بالأذى ينزل بالضعفاء ، وبالسخرية تنزل بأهل الشرف والمروءة ، وبالتضليل ما استطاعوا بالرسالة المحمدية ، وشاركهم في ذلك اليهود ، وخصوصا بعد الهجرة إلى المدينة الطاهرة ، وقد ذكرنا كيف كانوا يقتسمون مداخل المدينة ، ليضلوا الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم أبو لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وحفيد هاشم رأس البيت الهاشمي المجيد .
وقد قال تعالى:في عقاب هؤلاء الصادين:{ زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} ، أي أنهم يزاد عليهم عذاب بسبب ذلك التضليل والصد عن سبيل الله ، وذلك فساد في الأرض ؛ ولذا قال سبحانه:{ بما كانوا يفسدون} ، أي بسبب فسادهم ، وأي فساد أكبر من الصد عن سبيل الله ، وهو سبيل الحق ، وتبليغ الرسالة الإلهية .