قوله تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} .
اعلم أولاً أن: «صد » ،تستعمل في اللغة العربية استعمالين: أحدهماأن تستعمل متعدية إلى المفعول ،كقوله تعالى:{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [ الفتح: 25] الآية ،ومضارع هذه المتعدية: «يصد » ،بالضم على القياس ،ومصدرها «الصد » على القياس أيضاً .والثاني:أن تستعمل «صد » ،لازمة غير متعدية إلى المفعول ،ومصدر هذه: «الصدود » على القياس ،وفي مضارعها الكسر على القياس ،والضم على السماع .وعليهما القراءتان السبعيتان في قوله:{إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [ الزخرف: 57] ،بالكسر والضم .
فإذا عرفت ذلكفاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ،محتمل لأن تكون «صد » متعدية ،والمفعول محذوف لدلالة المقام عليه .على حد قوله في الخلاصة:
وحذف فضلة أجز إن لم يضر ***كحذف ما سيق جواباً أو حصر
ومحتمل لأن تكون «صد » ،لازمة غير متعدية إلى المفعول ،ولكن في الآية الكريمة ثلاث قرائن تدل على أن ،«صد » متعدية ،والمفعول محذوف ،أي: وصدوا الناس عن سبيل الله .
الأولى:أنا لو قدرنا «صد » لازمة ،وأن معناها: صدودهم في أنفسهم عن الإسلاملكان ذلك تكراراً من غير فائدة ،مع قوله{الَّذِينَ كَفَرُواْ} ،بل معنى الآية: كفروا في أنفسهم ،وصدوا غيرهم عن الدين ،فحملوه على الكفار أيضاً .
القرينة الثانية:قوله تعالى:{زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [ 88] ،فإن هذه الزيادة من العذاب لأجل إضلالهم غيرهم ،والعذاب المزيدة فوقه: هو عذابهم على كفرهم في أنفسهم ؛بدليل قوله في المضلين الذين أضلوا غيرهم:{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [ النحل:25] الآية ،وقوله:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [ العنكبوت: 13] الآية ؛كما تقدم إيضاحه .
القرينة الثالثة:قوله:{بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} ،فإنه يدل على أنهم كانوا يفسدون على غيرهم مع ضلالهم في أنفسهم ،وقوله:{فَوْقَ الْعَذَابِ} ،أي: الذي استحقوه بضلالهم وكفرهم .وعن ابن مسعود .أن هذا العذاب المزيد: عقارب أنيابها كالنخل الطوال ،وحيات مثل أعناق الإبل ،وأفاعي كأنها البخاتي تضربهم .أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها !والعلم عند الله تعالى .