/م84
وبعد ذلك ينتقل القرآن الكريم إلى الكافرين من الذين لم يكتفوا بأن يكونوا كافرين ،وإِنّما كانوا يبذلون أقصى جهودهم لإِضلال الآخرين !فيقول: ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) .
فهم شركاء في جرم الآخرين إِضافة لما عليهم من تبعات أعمالهم ،لأنّهم كانوا عاملا مؤثراً للفساد على الأرض وإِضلال خلق اللّه بالصد عن سبيله .
وذكرنا مراراً وانطلاقاً من منطق الاجتماع الإِسلامي أنّ مَنْ يسن سنّة ( حسنة أم سيئة ) فهو شريك العاملين بها ثواباً أو عقاباً ،والحديث المشهور يبيّن لنا هذا المعنى بوضوح: «مَنْ استن بسنّة عدل فاتبع كان له أجر مَنْ عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء ومَنْ استن سنّة جور فاتبع كان عليه مثل وزر مَنْ عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء » .
وعلى أيّة حال ،فالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة توضح مسؤولية الرؤساء والموجهين أمام اللّه وأمام الناس .
وتتناول الآية أيضاً مسألة وجود الشهيد في كل أُمّة ( والذي ذكر قبل آيات معدودة ) ،ولمزيد من التوضيح يقول القرآن الكريم: ( ويوم نبعث في كل أُمّة شهيداً عليهم من أنفسهم ) .
ووجود هؤلاء الشهود ،وعلى الخصوص من الأشخاص الذين ينهضون لهذه المهمّة من وسط نفس الأمم ،لا يتعارض مع علم اللّه تعالى وإِحاطته بكل شيء ،بل هو للتأكيد على مراقبة أعمال الناس ،وللتنبيه على وجود المراقبة الدائمة بشكل قطعي .
ومع أنّ عموم الحكم في هذه الآية يشمل المجتمع الإِسلامي و النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،إلاّ أنّ القرآن الكريم في مقام التأكيد قال: ( وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ) .
وقيل إِنّ المقصود ب «هؤلاء » المسلمون الذين يعيشون في عصر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،والنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الرقيب والناظر والشاهد على أعمالهم ،ومن الطبيعي أن يكون ثمّة شخص آخر يأتي بعد النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليكمل طريقه فيكون شهيداً على الأُمّة ( وهو من وسطها ) ،وينبغي أن يكون طاهراً من كل ذنب وخطيئة ،ليتمكن من إِعطاء الشهادة حقّها .
ولهذا ..اعتمد بعض المفسّرين ( من علماء الشيعة والسنّة ) على كون الآية بمثابة الدليل على وجود شاهد ،حجّة ،عادل ،في كل عصر وزمان .وضرورة وجود الإِمام المعصوم في كل زمان ،وهذا المنطق يتفق مع مذهب أهل البيت( عليهم السلام )
دون غيرهم من المذاهب الإِسلامية .
ولعل لهذا السبب عرض الفخر الرازي في تفسيره عند مواجهته لهذا الإِشكال توجيهاً لا يخلو من إِشكال أيضاً حيث قال: ( فحصل من هذا أن عصراً من الأعصار لا يخلو من شهيد على الناس ،وذلك الشهيد لابدّ أن يكون غير جائز الخطء وإِلاّ لافتقر إلى شهيد آخر ،ويمتد ذلك إلى غير النهاية ،وذلك باطل ،فيثبت أنّه لابدّ في كل عصر من أقوام تقوم الحجّة بقولهم ،وذلك يقتضي أن يكون إِجماع الأمّة حجّة ){[2]} . /خ89