قوله تعالى : { قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } . لما حكى الله ذلك عنهم غير مُنْكِرٍ لقولهم علمنا أنهم كانوا مصيبين في إطلاق ذلك ؛ لأن مصدره إلى ما كان عندهم من مقدار اللبث وفي اعتقادهم لا عن حقيقة اللبث في المغيب ، وكذلك هذا في قوله : { فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم } [ البقرة : 259 ] ولم ينكر الله ذلك ؛ لأنه أخبر عما عنده وفي اعتقاده لا عن مغيب أمره . وكذلك قول موسى عليه السلام للخضر : { أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً } [ الكهف : 74 ] و { لقد جئت شيئاً إمراً } [ الكهف : 71 ] يعني : عندي كذلك . ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ " حين قال ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيتَ ؟ .
قوله تعالى : { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى المَدِينَةِ } الآية ، يدل على جواز خَلْطِ دراهم الجماعة والشّرَى بها والأكل من الطعام الذي بينهم بالشركة وإن كان بعضهم قد يأكل أكثر مما يأكل غيره ، وهذا الذي يسميه الناس المناهدة ويفعلونه في الأسفار ؛ وذلك لأنهم قالوا : فابعثوا أحدكم بوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة ، فأضاف الوَرِقَ إلى الجماعة ؛ ونحوه قوله تعالى : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } [ البقرة : 220 ] فأباح لهم بذلك خلط طعام اليتيم بطعامهم وأن تكون يده مع أيديهم مع جواز أن يكون بعضهم أكثر أكلاً من غيره . وفي هذه الآية دلالة على جواز الوكالة بالشّرَى ؛ لأن الذي بعثوا به كان وكيلاً لهم .