قوله تعالى : { وَإِذْ تَقُولُ للَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } الآية . روى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد قال : قال لي علي بن الحسين : ما كان الحسين يقول في قوله تعالى : { وَتُخْفِي في نَفْسِكَ ما الله مُبْدِيهِ } ؟ قال : قلت كان يقول إنها كانت تعجبه ، وأنه قال لزيد : " اتَّقِ الله وأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " . قال : لا ، ولكن الله أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما جاءه زيد يشكو منها قال له : " اتَّقِ الله وأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " قال الله : { وَتُخْفِي في نَفْسِكَ ما الله مُبْدِيهِ } .
وقيل : إن زيداً قد كان يخاصم امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودام الشرُّ بينهما حتى ظنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنهما لا يتفقان وأنه سيفارقها ، فأضمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إن طلقها زيد تزوجها . وهي زينب بنت جحش وكانت بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يضمها إليه صِلَةً لرَحِمِها وإشفاقاً عليها ، فعاتبه الله على إضمار ذلك وإخفائه وقوله لزيد : " اتَّقِ الله وأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " وأراد أن يكون باطنه وظاهره عند الناس سواء ، كما قال في قصة عبدالله بن سعد حين قيل له : هلاّ أومأت إلينا بقتله ! فقال : " ما يَنْبَغِي لنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ " . وأيضاً فإن ذلك لم يكن مما يجب إخفاؤه لأنه مباح جائز ، والله تعالى عالم به وهو أحق بأن يُخشى من الناس ، وقد أباحه الله تعالى فالناس أوْلى بأن لا يخشوا في إظهاره وإعلانه .
وهذه القصة نزلت في زيد بن حارثة ، وكان ممن أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالعِتْقِ ، ولذلك قيل للمعتَقِ مولى نعمة .
وقوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ } الآية .
قد حوت هذه الآية أحكاماً ، أحدها : الإبانة عن علة الحكم في إباحة ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك قد اقتضى إباحته للمؤمنين ، فدلّ على إثبات القياس في الأحكام واعتبار المعاني في إيجابها .
والثاني : أن البنوة من جهة التبنّي لا تمنع جواز النكاح .
والثالث : أن الأُمَّةَ مساويةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم في الحكم إلا ما خصّه الله تعالى به ؛ لأنه أخبر أنه أحلّ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون مساوين له .