قوله تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } . حدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر في قوله : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ومَا يَنْبَغِي لَهُ } قال : بلغني أن عائشة سئلت : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ فقالت : لا ، إلا ببيت أخي بني قيس بن طرفة :
* سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ ما كُنْتَ جَاهِلاً * وَيَأْتِيكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لم تُزَوِّدِ *
قال : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يَأْتِيكَ مَنْ لم تُزَوِّدْ بالأَخْبَارِ " . فقال أبو بكر : ليس هكذا يا رسول الله ، قال : " إِنّي لَسْتُ بشَاعِرٍ ولا يَنْبَغِي لي " . قال أبو بكر : لم يُعْطِ الله نبيه صلى الله عليه وسلم العلم بإنشاء الشعر ، لم يكن قد علّمه الشعر لأنه الذي يعطي فطنة ذلك من يشاء من عباده ، وإنما لم يُعْطَ ذلك لئلا تدخل به الشبهة على قوم فيما أتى به من القرآن أنه قَوِيَ على ذلك بما في طبعه من الفطنة للشعر ؛ وإذا كان التأويل أنه لم يُعْطِهِ الفِطْنَةَ لقول الشعر لم يمتنع على ذلك أن ينشد شعراً لغيره ، إلا أنه لم يثبت من وجه صحيح أنه تمثل بشعر لغيره ، وإن كان قد رُوي أنه قال :
* هَلْ أَنْتِ إِلاَّ أُصْبَعٌ دَمِيتِ * وَفِي سَبِيلِ الله مَا لَقِيتِ *
وقد رُوي أن القائل لذلك بعض الصحابة . وأيضاً فإن من أنشد شعراً لغيره أو قال بيتاً أو بيتين لم يُسَمَّ شاعراً ولا يُطلق عليه أنه قد علم الشعر أو قد تعلّمه ، ألا ترى أن من لا يحسن الرَّمْيَ قد يصيب في بعض الأوقات برميته ولا يستحق بذلك أن يُسَمَّى رامياً ولا أنه تعلم الرمي ؟ فكذلك من أنشد شعراً لغيره وأنشأ بيتاً ونحوه لم يُسَمَّ شاعراً .