قوله تعالى : { فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إِلى السَّلَمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَالله مَعَكُمْ } ، رُوي عن مجاهد : " لا تضعُفُوا عنِ القتال وتَدْعُوا إلى الصلح " . وحدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن الجرجاني قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى : { فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلَمِ } قال : " لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها " { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } قال : " أنتم أوْلى بالله منهم " . قال أبو بكر : فيه الدلالة على امتناع جواز طلب الصلح من المشركين ، وهو بيانٌ لما أكّد فرضه من قتال مشركي العرب حتى يُسلموا وقتال أهل الكتاب ومشركي العجم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ، والصلحُ على غير إعطاء الجزية خارج عن مقتضى الآيات الموجبة لما وصفنا ، فأكَد النهي عن الصلح بالنصّ عليه في هذه الآية .
وفيه الدلالة على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكّة صُلْحاً وإنما فتحها عُنْوَةً ؛ لأن الله قد نهاه عن الصلح في هذه الآية وأخبر أن المسلمين هم الأَعْلَوْنَ الغالبون ، ومتى دخلها صلحاً برضاهم فهم متساوون ، إذ كان حكم ما يقع بتراضي الفريقين فهما متساويان فيه ليس أحدهما بأوْلى بأن يكون غالباً على صاحبه من الآخر .