قوله تعالى : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } قال مجاهد : " صلاة الليل " . قال أبو بكر : يجوز أن يريد صلاة المغرب والعتمة .
وقوله تعالى : { وأَدْبَارَ السُّجُودِ } ، قال علي وعمر والحسن بن علي وابن عباس والحسن البصري ومجاهد والنخعي والشعبي : { وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } ركعتان بعد المغرب ، { وإدبار النجوم } [ الطور : 49 ] ركعتان قبل الفجر .
وعن ابن عباس مثله . وعن مجاهد عن ابن عباس : { وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } : " إذا وضعت جبهتك على الأرض أن تسبح ثلاثاً " . قال أبو بكر : اتفق من ذكرنا قوله بديّاً أن قوله : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ } أراد به الصلاة ، وكذلك : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } هو صلاة الليل وهي العتمة والمغرب ، فوجب أن يكون قوله : { وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } هو الصلاة ؛ لأن فيه ضمير " فسبّحه " .
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح في دبر كل صلاة ولم يذكر أنه تفسير الآية .
ورَوَى محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسبِّح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ونحمد ثلاثاً وثلاثين ونكبر أربعاً وثلاثين ، فأتى رجل من الأنصار في المنام فقال : أمركم محمد صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين وتكبروا أربعاً وثلاثين فلو جعلتموها خمساً وعشرين خمساً وعشرين فاجعلوا فيها التهليل ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " افعلوا " .
ورَوَى سُميّ عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم ! قال : " كَيْفَ ذَاكَ ؟ " قالوا : صلّوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال ، فقال : " أَنَا أُخْبِرُكُمْ بأَمْرٍ تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ، لا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ ما جِئْتُمْ بِهِ إِلاّ مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ ، تُسَبِّحُونَ الله في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْراً وتَحْمِدُونَ الله عَشْراً وتُكَبِّرُونَ عَشْراً " .
ورُوي نحوه عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه قال : " تُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وثَلاثِينَ وتَحْمَدُ ثلاثاً وثَلاثِينَ وتُكَبِّرُ أَرْبعاً وثَلاثينَ " .
ورَوَى كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، وقال : " وتُكَبِّرُ أَرْبعاً وثَلاثِينَ " .
وروى أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في آخر صلاته عند انصرافه : " سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ " .
قال أبو بكر : فإن حمل معنى الآية على الوجوب كان قوله : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } على صلاة الفجر ، { وَقَبْلَ الغُرُوبِ } على صلاة الظهر والعصر ؛ وكذلك رُوي عن الحسن : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } " صلاة العتمة والمغرب " ، فتكون الآية منتظمة للصلوات الخمس ، وعبَّر عن الصلاة بالتسبيح لأن التسبيح تنزيه لله عما لا يليق به ، والصلاة تشتمل على قراءة القرآن وأَذْكَارٌ هي تنزيه لله تعالى .