قوله تعالى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ } ، قال ابن عباس وقتادة : " كل نخلة لِينَةٌ سِوَى العجوة " . وقال مجاهد وعمرو بن ميمون : " كل نخلة لِينَةٌ " ، وقيل : " اللينة كرام النخل " . وروى ابن جريج عن مجاهد : ما قطعتم من لينة النخلة ، نهى بعض المهاجرين عن قطع النخل وقال : إنما هي مغانم المسلمين ، فنزل القرآن بتصديق من نهى وبتحليل من قطعها من الإثم . قال أبو بكر : صوَّب الله الذين قطعوا والذين أَبَوْا وكانوا فعلوا ذلك من طريق الاجتهاد ، وهذا يدلّ على أن كل مجتهد مصيب . وقد رُوي عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن : " أَغِرْ على أُبْنَى صباحاً وحَرِّقْ " . وروى قتادة عن أنس قال : " لما قاتل أبو بكر أهل الردة قتل وسبى وحرّق " . وروى عبدالله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال : " لما تحصن بنو النضير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخله وتحريقه ، فقالوا : يا أبا القاسم ما كنتَ ترضى بالفساد ! فأنزل الله : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ } الآية " . وروى عثمان بن عطاء عن أبيه قال : " لما وجّه أبو بكر الجيش إلى الشام كان فيما أوصاهم به ولا تُقطع شجرة مثمرة " .
قال أبو بكر : تأوله محمد بن الحسن على أنهم قد علموا أن الله سيُغنمهم إياها وتصير للمسلمين بوعد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بفتح الشام فأراد عليهم أن تبقى للمسلمين ، وأما جيش المسلمين إذا غزوا أرض الحرب وأرادوا الخروج فإن الأوْلى أن يحرّقوا شجرهم وزروعهم وديارهم ، وكذلك قال أصحابنا في مواشيهم : " إذا لم يمكنهم إخراجها ذُبحت ثم أُحرقت " ، وأما ما رجوا أن يصير فَيْئاً للمسلمين فإنهم إن تركوه ليصير للمسلمين جاز وإن أحرقوه غيظاً للمشركين جاز ، استدلالاً بالآية وبما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في أموال بني النضير .