/م1
وفي الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث نلاحظ جواباً على اعتراض يهود بني النضير على قطع المسلمين لنخيلهمكما ورد في شأن النزولبأمر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لتهيئة ظروف أفضل لقتال بني النضير أو لزيادة حزنهم وألمهم ،فيضطرّوا للنزول من قلاعهم ومنازلة المسلمين خارج القلعة ..وقد أثار هذا العمل غضب اليهود وحنقهم ،فقالوا: يا محمّد ،ألم تكن الناهي عن مثل هذه الأعمال ؟فنزلت الآية الكريمة مبيّنة لهم أنّ ذلك من أمر الله سبحانه حيث يقول البارئ:{وما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله{[5190]} وليخري الفاسقين} .
«لينة » من مادّة ( لون ) تقال لنوع جيّد من النخل ،وقال آخرون: إنّها من مادّة ( لين ) بمعنى الليونة التي تطلق على نوع من النخل ،والتي لها أغصان ليّنة قريبة من الأرض وثمارها ليّنة ولذيذة .
وتفسّر ( ليّنة ) أحياناً بألوان وأنواع مختلفة من شجر النخيل ،أو النخل الكريم ،والتي جميعها ترجع إلى شيء واحد تقريباً .
وعلى كلّ حال فإنّ قسماً من المسلمين أقدموا على قطع بعض نخيل بني النضير ،في الوقت الذي خالف البعض الآخر ذلك ،وهنا نزلت الآية أعلاه وفصلت نزاعهم في هذا الموضوع{[5191]} .
وقال البعض الآخر: إنّ الآية دالّة على عمل شخصين من الصحابة ،وقد كان أحدهم يقوم بقطع الجيّد من شجر النخل ليغضب اليهود ويخرجهم من قلاعهم ،والآخر يقوم بقطع الرديء من الأشجار كي يبقي ما هو جيّد ومفيد ،وحصل خلاف بينهم في ذلك ،فنزلت الآية حيث أخبرت أنّ عملهما بإذن الله{[5192]} .
ولكن ظاهر الآية يدلّ على أنّ المسلمين قطعوا بعض نخل ( اللينة ) وهي نوع جيّد من النخل ،وتركوا قسماً آخر ،ممّا أثار هذا العمل اليهود ،فأجابهم القرآن الكريم بأنّ هذا العمل لم يكن عن هوى نفس ،بل عن أمر إلهي صدر في هذا المجال ،وفي دائرة محدودة لكي لا تكون الخسائر فادحة .
وعلى كلّ حال فإنّ هذا العمل كان استثناء من الأحكام الإسلامية الأوّلية التي تنهي عن قطع الأشجار وقتل الحيوانات وتدمير وحرق المزارع ..والعمل أعلاه كان مرتبطاً بمورد معيّن حيث أريد إخراج العدو من القلعة وجرّه إلى موقع أنسب للقتال وما إلى ذلكوعادةً توجد استثناءات جزئيّة في كلّ قانون ،كما في جواز أكل لحم الميّت عند الضرورة القصوى والإجبار .
جملة ( وليخزي الفاسقين ) ترينا على الأقل أنّ أحد أهداف هذا العمل هو خزي ناقضي العهد هؤلاء ،وكسر لشوكتهم وتمزيق لروحيّتهم .
/خ5