الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : { قَالَ هِيَ عَصَايَ } قَالَ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ : الْجَوَابُ الْمُطْلَقُ أَنْ يَقُولَ هِيَ عَصًا ، وَلَا يُضِيفُ إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ أَفْرَدَ عَنْهَا بِصِفَةِ الْحَيَّةِ ؛ فَبَقِيَ وَحْدَهُ لِلَّهِ ، كَمَا يُحِبُّ ، حَتَّى لَا يَكُونَ مَعَهُ إلَّا اللَّهُ ، يَقُولُ اللَّهُ : أَنْتَ عَبْدِي ، وَيَقُولُ مُوسَى : أَنْتَ رَبِّي .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَجَابَ مُوسَى بِأَكْثَرَ من الْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَوَابِ أَرْبَعَةَ مَعَانٍ ، وَكَانَ يَكْفِي وَاحِدٌ قَالَ : الْإِضَافَةُ ، وَالتَّوَكُّؤُ ، وَالْهَشُّ ، وَالْمَآرِبُ الْمُطْلَقَةُ ، وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ بِأَكْثَرَ من مُقْتَضَى ظَاهِرِهِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ) لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ طَهُوريَةِ مَاءِ الْبَحْرِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الْهَشُّ : هُوَ أَنْ يَضَعَ الْمِحْجَنَ فِي أَصْلِ الْغُصْنِ وَيُحَرِّكَهُ فَيَسْقُطُ مِنْهُ مَا سَقَطَ ، وَيَثْبُتُ مَا ثَبَتَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : ( مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاعٍ يَعْضِدُ شَجَرَةً فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ : هُشُّوا وَارْعَوْا ) ، وَهَذَا من بَابِ الِاقْتِصَادِ فِي الِاقْتِيَاتِ ، فَإِنَّهُ إذَا عَضَّدَ الشَّجَرَةَ الْيَوْمَ لَمْ يَجِدْ فِيهَا غَدًا شَيْئًا وَلَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَخْلُفُهُ ، فَإِذَا هَشَّ وَرَعَى أَخَذَ وَأَبْقَى ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ، فَلْيَأْخُذْ وَلْيَدْعُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ كَثِيرًا فَلْيَأْخُذْهُ كَيْفَ شَاءَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : . تَعَرَّضَ قَوْمٌ لِتَعْدِيدِ مَنَافِعِ الْعَصَا ، كَأَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ بِذَلِكَ قَوْلَ مُوسَى { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْعِلْمِ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ الْعَصَا فِي حَاجَةٍ عَرَضَتْ ؛ أَمَّا إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إجْمَاعًا وَهُوَ الْخُطْبَةُ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِاخْتِلَافٍ وَهُوَ التَّوَكُّؤُ عَلَيْهَا فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ هُنَا وَسِوَاهُ .