الْآيَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا :
رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ رَجُلًا من الْمُنَافِقِينَ كَانَ يُقَالُ لَهُ بِشْرٌ ، كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ من الْيَهُودِ خُصُومَةٌ ، وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَدْعُوهُ إلَى التَّحَاكُمِ عِنْدَ النَّبِيِّ ، وَكَانَ الْمُنَافِقُ يَدْعُوهُ إلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ، وَقَالَ : إنَّ مُحَمَّدًا يَحِيفُ عَلَيْنَا ، وَكَانَ الْمُنَافِقُ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَقُّ دَعَا إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ ، وَإِذَا كَانَ لَهُ الْحَقُّ دَعَاهُ إلَيْهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ لَهُ ؛ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إذَا كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُعَاهِدِ وَالْمُسْلِمِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ لَا حَقَّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ فَذَلِكَ إلَيْهِمَا ، فَإِذَا جَاءَ قَاضِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُسْتَوْفًى ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إجَابَةِ الدَّعْوَى إلَى الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَمَّ مَنْ دُعِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ - فَلَمْ يُجِبْ - بِأَقْبَحَ الْمَذَمَّةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ حَدَّ الْوَاجِبِ مَا ذُمَّ تَارِكُهُ شَرْعًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو الْأَشْعَثِ ، عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دُعِيَ إلَى حَاكِمٍ من الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ ، وَلَا حَقَّ لَهُ ) . وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : فَهُوَ ظَالِمٌ فَكَلَامٌ صَحِيحٌ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : لَا حَقَّ لَهُ فَلَا يَصِحُّ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ .