الْآيَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ من قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ من الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ آيَةٌ خَاصَّةٌ ، وَاَلَّتِي قَبْلَهَا عَامَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَعَمَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } ، ثُمَّ خَصَّ هَاهُنَا فَقَالَ : { لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فَخَصَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَعْضَ الْمُسْتَأْذِنِينَ ، وَهُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ من مَسْأَلَةِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْآيَة قَبْلَهَا ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا تَنَاوَلَ الْقَوْلُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ عُمُومًا ، وَخَصَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ ، وَهِيَ الْمُفَسَّرَةُ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ : { مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }
ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ الذُّكْرَانُ وَالْإِنَاثُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ الْعَبْدُ دُونَ الْأَمَةِ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عُمَرَ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُنَّ الْإِنَاثُ ؛ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَلْ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ ؟
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : هِيَ مُحْكَمَةٌ يَعْنِي فِي الرِّجَالِ خَاصَّةً . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَدْ ذَهَبَ حُكْمُهَا ؛ رَوَى عِكْرِمَةُ أَنَّ نَفَرًا من أَهْلِ الْعِرَاقِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَقَالُوا : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، كَيْفَ تَرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا ، فَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ ؛ قَوْلِ اللَّهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَقَرَءُوهَا إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { عَلَى بَعْضٍ } ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ بِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السَّتْرَ . وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ ، فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ ، وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ ؛ فَأَمَرَ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ ، فَجَاءَهُمْ اللَّهُ بِالسُّتُورِ ، وَالْخَيْرِ ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ .
وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا بِمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ من أَنَّ شُرُوطَ النَّسْخِ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ من الْمُعَارَضَةِ ، وَمِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ ، فَكَيْفَ يَصِحُّ لِنَاظِرٍ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ؟
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي التَّنْقِيحِ :
اعْلَمُوا - وَفَّقَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ الْحُجْبَةَ وَاقِعَةٌ من الْخَلْقِ شَرْعًا ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ الِاسْتِئْذَانُ حَتَّى يَخْلُصَ بِهِ الْمَحْجُورُ من الْمُطْلَقِ ، وَالْمَحْظُورُ من الْمُبَاحِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } . ثُمَّ قَالَ : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } عَلَى مَا شَرَحْنَاهُ ، فَاسْتَثْنَى مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ من الْمَحْجُورِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فِي مِلْكِ الْيَمِينِ هَذِهِ الْأَوْقَاتَ الثَّلَاثَةَ ؛ فَالْعَبْدُ إذَا كَانَ وَغْدًا ، أَوْ ذَا مَنْظَرَةٍ ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْحُجْبَةِ عَلَى صِفَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتَ الثَّلَاثَةَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا عَبْدٌ كَيْفَمَا كَانَ وَلَا أَمَةٌ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ : { ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } : فَذَكَرَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، وَعِنْدَ الظَّهِيرَةِ ، وَهِيَ الْقَائِلَةُ ، وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ، وَهِيَ أَوْقَاتُ الْخَلْوَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهِ التَّصَرُّفُ بِخِلَافِ اللَّيْلِ كُلِّهِ ، فَإِنَّهُ وَقْتُ خَلْوَةٍ ، وَلَكِنْ لَا تَصَرُّفَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُسْتَغْرِقٌ بِنَوْمِهِ ، وَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ الثَّلَاثَةُ أَوْقَاتُ خَلْوَةٍ وَتَصَرُّفٍ ، فَنُهُوا عَنْ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إذْنِ لِئَلَّا يُصَادِفُوا مَنْظَرَةً مَكْرُوهَةً .
وَفِي الصَّحِيحِ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي كَذَا وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَكَانَتْ سَاعَةً لَا يُدْخَلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا " . من حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : لَا أَدْخُلُ .
وَعَنْ عَائِشَةَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ ، وَيَقُومُ آخِرَهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ ، فَإِنْ كَانَتْ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ وَخَرَجَ " . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَفِي الْآثَارِ التَّفْسِيرِيَّةِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إلَى عُمَرَ غُلَامًا من الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مُدْلِجٌ فِي الظَّهِيرَةِ ، فَدَخَلَ عَلَى عُمَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ ، فَأَيْقَظَهُ بِسُرْعَةٍ ، فَانْكَشَفَ شَيْءٌ من جَسَدِهِ ؛ فَنَظَرَ إلَيْهِ الْغُلَامُ ؛ فَحَزِنَ لَهَا عُمَرُ فَقَالَ : وَدِدْت أَنَّ اللَّهَ بِفَضْلِهِ نَهَى عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ إلَّا بِإِذْنِنَا . ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ هَذِهِ الْآيَةَ قَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ " .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : يُرِيدُ بِقَوْلِهِ : { صَلَاةِ الْعِشَاءِ } الَّتِي يَدْعُوهَا النَّاسُ الْعَتَمَةَ .
وَفِي الصَّحِيحِ من رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ ) . قَالَ : وَالْأَعْرَابُ تَقُولُ الْعِشَاءَ ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْعِشَاءَ الْعَتَمَةِ ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : ( لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ) .
وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ " . وَقَالَ أَنَسٌ : " أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ " .
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ : " أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَمَةِ " .
وَقَوْلُ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ : " الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ يَدُلُّ عَلَى الْعِشَاءِ الْأُولَى " .
وَفِي الْحَدِيثِ : ( لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْعِشَاءِ يَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ .
وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَعَارِضَةٌ لَا يُعْلَمُ مِنْهَا الْأَوَّلُ من الْآخِرِ بِالتَّارِيخِ ، لَكِنَّ كُلَّ حَدِيثٍ بِذَاتِهِ يُبَيِّنُ وَقْتَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ من النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَسْمِيَةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عِشَاءً ، وَعَنْ تَسْمِيَةِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً ثَابِتٌ ؛ فَلَا مَرَدَّ لَهُ من أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَضْلًا عَمَّنْ عَدَاهُمْ .
وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : مَنْ قَالَ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ فَقَدْ أَثِمَ . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : قَالَ مَالِكٌ : { وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ } فَاَللَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةَ الْعِشَاءِ ، فَأَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسَمَّى بِمَا سَمَّاهَا بِهِ اللَّهُ ، وَيُعَلِّمُهَا الْإِنْسَانُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ ، وَلَا يَقُلْ عَتَمَةً إلَّا عِنْدَ خِطَابِ مَنْ لَا يَفْهَمُ ، وَقَدْ قَالَ حَسَّانُ :
وَكَانَ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ *** خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ
فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ من لَطِيفٍ *** يُؤَرِّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : { ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ } : الْعَوْرَةُ كُلُّ شَيْءٍ لَا مَانِعَ دُونَهُ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أَيْ سَهْلَةُ الْمَدْخَلِ ، لَا مَانِعَ دُونَهَا ، فَبَيَّنَ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلْإِذْنِ ، وَهِيَ الْخَلْوَةُ فِي حَالِ الْعَوْرَةِ ، فَتَعَيَّنَ امْتِثَالُهُ ، وَتَعَذَّرَ نَسْخُهُ ، ثُمَّ رُفِعَ الْجُنَاحُ بَعْدَهُنَّ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ الْمَيْلُ بِالْعِتَابِ أَوْ الْعِقَابِ عَلَى الْفَاعِلِ ، وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : ثُمَّ بَيَّنَ الْعِلَّةَ الْأَصْلِيَّةَ وَالْحَالَةَ الْأَهْلِيَّةَ ، وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْلُهُ : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ } : أَيْ مُتَرَدِّدُونَ عَلَيْكُمْ فِي الْخِدْمَةِ ، وَمَا لَا غِنَى بِكُمْ عَنْهُ مِنْهُمْ ؛ فَسَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ ذَلِكَ ، وَزَالَ الْمَانِعُ ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِرَّةِ حِينَ أَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ : ( إنَّهَا من الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ ) . وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِحُكْمِ سُؤْرِهَا فِي مُبَاشَرَتِهَا النَّجَاسَةَ وَحَمْلِهَا أَبَدًا عَلَى الطَّهَارَةِ ، إلَّا أَنْ يَرَى فِي فَمِهَا أَذًى .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : وَقَوْلُهُ : { بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ } يُرِيدُ بَعْضُكُمْ من بَعْضٍ فِي الْمُخَالَطَةِ وَالْمُلَابَسَةِ ؛ فَلِذَلِكَ سَقَطَ الِاسْتِئْذَانُ لَهُمْ عَلَيْكُمْ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِمْ ، كَمَا ارْتَفَعَ الْجُنَاحُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ، مِنْهُمْ لَكُمْ ، وَمِنْكُمْ لَهُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ }
الْمَعْنَى يُبَيِّنُ اللَّهُ الْآيَاتِ الدَّالَّهَ عَلَى الْمُعْجِزَةِ وَالتَّوْحِيدِ ، كَمَا يُبَيِّنُ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى الْأَحْكَامِ ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مَا يَدُلُّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَدُلُّ الْعَقْلُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ دَلِيلُ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ بِأَوْضَحِ بَيَانٍ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : لَا بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ مَعَ أَهْلِهِ وَفَخِذُهُ مُنْكَشِفَةٌ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ وَكَانَ من أَصْحَابِ الصُّفَّةِ أَنَّهُ قَالَ : جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ ، فَقَالَ : ( خَمِّرْ عَلَيْك ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عوْرَةٌ ) ، وَقَدْ غَطَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ دُخُولِ عُثْمَانَ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُنْكَشِفَةً من جِهَتِهِ الَّتِي جَلَسَ مِنْهَا .
وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : " إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ فَإِنَّهُ عَوْرَةٌ " .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرْهَدًا لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مَرِيضًا ، وَلَيْسَ الْفَخِذُ عَوْرَةً .