الْآيَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ : { لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ لَدَخَلْتُمُوهُ } .
وَثَبَتَ أَنَّهُ ( قَالَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ لِأَصْحَابِهِ ، وَقَدْ قَالُوا لَهُ : اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ . فَقَالَ : هَذَا ، كَمَا قَالَ مَنْ قَبْلَكُمْ : { اجْعَلْ لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } ؛ فَحَذَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من اتِّبَاعَ الْبِدَعِ ، وَأَمَرَ بِإِحْيَاءِ السُّنَنِ ، وَحَثَّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا : إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ زَادَا فِي صِيَامِهِمْ بِعِلَّةٍ رَأَوْهَا ، وَجَعَلُوهُ أَكْثَرَ من الْعَدَدِ الْمَعْرُوفِ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْكُوفَةِ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ حَضَرَ مَعَهُ الْمَوْسِمَ فَصَلَّى [ مَعَهُ ] الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : رَأَيْت أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ يَفْعَلُهُ ، فَكَانَ عُثْمَانُ يُتِمُّ فِي السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مُفْسِدًا لِعَقَائِد الْعَامَّةِ ، فَرَأَى حِفْظَ ذَلِكَ بِتَرْكِ يَسِيرٍ من السُّنَّةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : رَأَى قَوْمٌ من أَهْلِ الْجَفَاءِ أَنْ يَصُومُوا ثَانِيَ عِيدِ الْفِطْرِ سِتَّةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ إتْمَامًا لِرَمَضَانَ ، لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتًّا من شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ ) . خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ .
وَهَذِهِ الْأَيَّامُ مَتَى صِيمَتْ مُتَّصِلَةً كَانَ احْتِذَاءً لِفِعْلِ النَّصَارَى ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ هَذَا ، إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَهُوَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَمَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ فَهِيَ بِشَهْرَيْنِ ؛ وَذَلِكَ الدَّهْرُ . وَلَوْ كَانَتْ من غَيْرِ شَوَّالٍ لَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِكْرِ شَوَّالٍ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْيِينِ ؛ لِوُجُوبِ مُسَاوَاةِ غَيْرِهَا لَهَا فِي ذَلِكَ ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَ شَوَّالَ عَلَى مَعْنَى التَّمْثِيلِ ، وَهَذَا من بَدِيعِ النَّظَرِ فَاعْلَمُوهُ .