الْآيَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى } :
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى :
قَوْلُهُ : { سَنُقْرِئُك } أَيْ سَنَجْعَلُك قَارِئًا ، فَلَا تَنْسَى مَا نُقْرِئُك . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ : { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى } قَالَ : فَتَحْفَظُ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : يُرِيدُ مَالِكٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَرْكِ النِّسْيَانِ ؛ إذْ كَانَ لَيْسَ من اسْتِطَاعَتِهِ ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ لَهُ تَرْكَهُ ، وَحَكَمَ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ النَّاسِي فِي حَالِ نِسْيَانِهِ أَنْ يَصْرِفَ نِسْيَانَهُ لَا يُعْقَلُ قَوْلًا ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ فِعْلًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . { وَلَا تَنْسَ نَصِيبَك من الدُّنْيَا } .
قُلْنَا . مَعْنَاهُ لَا تَتْرُكْ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّسْيَانَ هُوَ التَّرْكُ لُغَةً . وَالتَّرْكُ عَلَى قِسْمَيْنِ : تَرْكٌ بِقَصْدٍ ، وَتَرْكٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ . وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَرْتَبِطُ بِالْقَصْدِ من التَّرْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
المسألة الثَّانِيَةُ : ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ ب { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى } وَ { هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } من طَرِيقِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ . خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ ، وَغَيْرُهُ زَادَ النُّعْمَانُ : فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ .
وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِي طَوَّلَ صَلَاتَهُ بِالنَّاسِ : اقْرَأْ ب { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى } { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } وَنَحْوِ ذَلِكَ » .