الْآيَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : فِي مَعْنَى الْقَسَمِ فِيهَا :
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : إنَّ مَعْنَاهُ وَرَبِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى . وَهَذَا الْمَحْذُوفُ مُقَدَّرٌ فِي كُلِّ قَسَمٍ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ من الْمَخْلُوقَاتِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَسَمِ بِهَا .
الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ كَمَا تَقَدَّمَ يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ ، وَآدَمُ خُلِقَ وَحْدَهُ قَبْلَ خَلْقِ حَوَّاءَ حَسْبَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ وَصُورَةُ الْمُصْحَفِ { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَابْنَ مَسْعُودٍ ، كَانَا يَقْرَآنِ : وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى . قَالَ إبْرَاهِيمُ : قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالُوا : كُلُّنَا . قَالَ تَقْرَءُونَ : { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى } ؟ قَالَ عَلْقَمَةُ : وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى . قَالَ : أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ هَكَذَا ، وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَنْ أَقْرَأَ : وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، وَاَللَّهِ لَا أُتَابِعُهُمْ .
قَالَ الْقَاضِي : هَذَا مِمَّا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بَشَرٌ ، إنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصُّحُفِ ؛ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِأَحَدٍ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّظَرُ فِيمَا يُوَافِقُ خَطَّهُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ ضَبْطُهُ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِنَقْلِ الْوَاحِدِ ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا ؛ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ ، وَيَنْقَطِعُ مَعَهُ الْعُذْرُ وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ .