الْآيَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى : { أَرَأَيْت الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى } :
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَبُو جَهْلٍ : لَئِنْ رَأَيْت مُحَمَّدًا لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ . فَقَالَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا » خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي ، فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ : أَلَمْ أَنْهَك عَنْ هَذَا ؟ أَلَمْ أَنْهَك عَنْ هَذَا ؟ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَبَرَهُ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : إنَّك لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرَ مِنِّي ، فَنَزَلَتْ : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَاَللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : تَعَلَّقَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا : لَوْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ [ مُتَيَمِّمًا ] ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ : يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَادَى عَلَيْهَا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ يَدْخُلُ فِي الذَّمِّ فِي قَوْلِهِ : { أَرَأَيْت الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى } . وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ هَلْ يَكُونُ فِي صَلَاةٍ إذَا رَأَى الْمَاءَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الذَّمُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً ، وَنَحْنُ قُلْنَا لَهُمْ : إذَا أَمَرْتُمُوهُ بِقَطْعِهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَقَدْ دَخَلْتُمْ فِي الْعُمُومِ الْمَذْمُومِ . قَالُوا : لَا نَدْخُلُ ؛ لِأَنَّا نَرْفَعُ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ بِمُعَارِضِهَا وَهُوَ رُؤْيَةُ الْمَاءِ .
قُلْنَا : لَا تَكُونُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مُعَارِضَةً لِلطَّهَارَةِ بِالتُّرَابِ ، إلَّا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مُقَارِنَةً لِلرُّؤْيَةِ ، وَلَا قُدْرَةَ مَعَ الصَّلَاةِ ، وَلَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ إلَّا بِرُؤْيَةٍ مَعَ قُدْرَةٍ ، فَمَانِعٍ ، فَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ بِحَالِهَا .
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، وَبَيَّنَّا أَنَّ المسألة قَطْعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ .