قوله تعالى : { وعلامات وبالنجم هم يهتدون ( 16 ) } :
في هذه الآية دليل على جواز الاهتداء بالنجوم في الطرق والأوقات حتى عول الناس على ذلك في التسحير احتياطا للصوم ، وإن كان الله تعالى لم يكلفنا إلا بالشيء البين الذي يشترك في معرفته {[9530]} العامة والخاصة وهو تبين الفجر لكن الناس احتاطوا لخوفهم أن يؤكل في النهار فرأوا إمساك جزء من الليل أولى من أن يؤكل جزء من النهار وعولوا في الاحتياط لذلك على المنازل . وقد اختلف العلماء هل هذا الإمساك قبل الفجر واجب أم لا ؟ وقوله : { وبالنجم هم يهتدون } يقع على الكواكب والشمس والقمر ، وقد صرح الشرع بوجوب الاهتداء بالهلال في أمر الشهور . وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الهلال : " فإن غم عليكم فأقدروا له " {[9531]} فاختلف العلماء في تخريج قوله : فأقدروا له . فقيل معناه أن يكمل عدد الشمس ثلاثين . واحتج من ذهب إليه بالحديث الذي جاء مفسرا في ذلك {[9532]} وقيل معناه أن ينظر إذا غم القمر ليلة الشك إلى سقوطه من الليلة الثانية ، فإن سقط بمنزلة {[9533]} واحدة ، وهي ستة أسباع ساعة علم أنه من تلك الليلة . وإن غاب لمنزلتين وهما ساعة وخمسة أسباع ساعة علم أنه من الليلة الماضية فيقضي صوم ذلك اليوم . وإلى هذا ذهب الطحاوي . قال ولكن هذا منسوخ لقوله صلى الله عليه وسلم : " فإن غم عليكم فأكملوا المدة ثلاثين " {[9534]} . وقيل معناه أن ننظر إلى ما قبل الشهر الذي غم الهلال عنده آخره من الشهور . فإن كان توالي شهران أو ثلاثة كاملة عمل على أن هذا الشهر ناقص فأصبح الناس صياما . وإن كانت توالت ناقصة عمل على أن هذا الشهر كامل وأصبح الناس مفطرين إذ لا يتمادى أربعة أشهر ناقصة ولا كاملة على ما علم بما أجرى الله به {[9535]} من العادة ، ولا ثلاثة أيضا ناقصة ولا كاملة إلا في النادر . وإن لم يتوال قبل الشهر الذي غم الهلال في آخره شهران فأكثر ناقصة ولا كاملة احتمل أن يكون الشهر ناقصا ، وأن يكون كاملا احتمالا واحدا فوجب أن يكون عدده ثلاثين يوما كما جاء في الحديث الآخر . وهذا في الصوم . فأما الفطر فإذا غم هلال شوال فلا يفطر بالتقليد الذي يغلب على الظن فيه أن رمضان ناقص . وقيل معناه أنه إذا مر لشعبان تسعة وعشرون يوما نظر {[9536]} ، فإن رؤي الهلال فذلك ، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قترة أصبح ناظره مفطرا . وإن حال دون منظره سحاب وقترة أصبح صائما ثم لا يفطر إلا مع الناس ، وهو {[9537]} قول ابن عمر . وقيل – وهو قول مطرف بن الشخير وأحد قولي الشافعي – معناه إذا التبس الهلال حسب له بحساب المنجمين ، واحتج من ذهب إلى هذا بهذه الآية : { وبالنجم هم يهتدون } . ورد{[9538]} الجمهور هذا القول وتأولوا الآية على أن المراد بها الاهتداء في الطرق في البر والبحر ، وقالوا أيضا لو كان التكليف يتوقف على حساب التنجيم لضاق الأمر فيه إذ لا يعرف ذلك إلا قليل من الناس ، والشرع مبني على ما يعلمه الجماهير . وأيضا فإن الأقاليم على مذاهبهم مختلفة ، ويصح أن يرى في إقليم دون إقليم فيؤدي ذلك إلى اختلاف الصوم عند أهلها ولا يلزم قوما ما يثبت عند قوم {[9539]} .