قوله تعالى : { براءة من الله ورسوله } الآية :
هذه الآية اقتضت تقدم عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين أن النبي صلى الله عليه وسلم نقضه ، إلا أنه اختلف في سبب النقض . والجمهور على أنه ما أراده المشركون من النقض . وقال بعضهم سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يحج لقابل لقرب أجله وكان المشركون يطوفون بالبيت عراة ، والتعري محض شرك وكفر ، فاقتضى ذلك نقض العهد . وهذا باطل لأنه لا يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم نقض العهد لهذه العلة فإن من التمكن أن يخلي البيت ساعة طوافه ولا يمكن المشركين من الطواف فيما له استحالة كما طاف في عمرة القضاء وأخلى المشركون له البيت .
وقوله تعالى : { ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا } :
يدل على أن الذين تقدم ذكرهم ووقع منهم مظاهرة أو مخاتلة خداع تقتضي نقض العهد والإخلال به . ولذلك قال : { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله } الآية [ براءة : 7 ] فإن قيل فإذا نقض العهد فلم أجلوا أربعة أشهر ؟ فالجواب أنه جاز الإمهال تلك المدة لما فيه من المصلحة من تدبر من أمهل وعاقبة أمره وعسى أن يكون ذلك داعية إلى الإسلام وإذا صح هذا فقد اتفق المفسرون لهذه الآية أن هذا التأجيل الأربعة أشهر دخل/ فيه من كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وظهر منه أو تحسس من جهته نقض وكان مدة عهده ينصدم عند انقضاء الأربعة أشهر أو قبلها . واختلف في من كان من هؤلاء عهده يتمادى بعد الأربعة أشهر . فقيل – وهو قول الجمهور – إنه داخل فيمن ضرب له الأربعة أشهر . وقيل من كان عهده يتمادى بعد الأربعة أشهر {[8818]} فهم الذين أمر الله تعالى أن يوفى لهم {[8819]} . والأول أصح على ظاهر الآية . وأما من كان له عهد ولم يخف منه نقض فاتفقوا على أنه لم يدخل في التأجيل وأنه كان باقيا إلى أجله إن كان أجله أطول من الأربعة أشهر لاستثناء الله تعالى إياهم فيما بعد {[8820]} . واختلفوا فيمن لم يكن له عهد من النبي صلى الله عليه وسلم هل هو داخل في هذا التأجيل أم لا . فذهب أكثرهم – منهم الضحاك – إلى أنه لم يدخل في ذلك . وذهب بعضهم – منهم السدي – إلى أنهم دخلوا فيه{[8821]} والأول أظهر لقوله تعالى : { إلا الذين عاهدتم } [ براءة : 4 ] فإنما ذكر من عوهد بدليل هذا أن من لم يعاهد ليس كذلك .
وقال موسى بن عقبة {[8822]} : كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يكف عن قتال من لم يقاتله لقوله تعالى : { وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا } [ النساء : 90 ] ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { براءة من الله ورسوله } إلى قوله تعالى : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } الآيات [ براءة : 1 - 5 ] .