– قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي . . . } إلى قوله : { إن تبدوا شيئا } :
هذه الآية تضمنت من أولها إلى قوله : { وإذا سألتموهن متاعا } الأدب في أمر الطعام والجلوس . وتضمنت في قوله تعالى : { وإذا سألتموهن } إلى قوله تعالى : { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } الحجابة . قال بعضهم وهذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من رؤية النساء والجلوس معهن {[10387]} . وتضمنت في قوله : { وما كان لكم } إلى آخرها حكم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعده . فأما آية الأدب في الطعام فاختلف في سببها . فجمهور المفسرين على أن سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها فلما طعموا قعد نفر في ناحية من البيت فثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم ، فخرج ليخرجوا ، ومر على حجر نسائه ثم عاد فوجدهم في مكانهم وزينب في البيت معهم ، فلما دخل وراءهم انصرف ، فخرجوا عند ذلك . قال أنس فأعلم أو فأعلمته فخرج فلما وصل الحجرة أرخى الستر بيني وبينه ودخل . ونزلت الآية في سبب ذلك {[10388]} . وقال قتادة وغيره فيما ذكر بعض المفسرين أن هذا السبب جرى في بيت أم سلمة . والأول أشهر : وقال ابن عباس نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحيلون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون . قال إسماعيل بن أبي حكيم {[10389]} هذا أدب أدب الله تعالى به الثقلاء . وقال ابن أبي عائشة{[10390]} : فحسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم . وأما آية الحجاب فاختلف في سببها أيضا . فقال أنس بن مالك وغيره : سببها أمر القعود في بيت زينب ، الحديث المذكور قبل . وقال فرقة في بيت أم سلمة . وقال مجاهد سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل معه قوم وعائشة معهم فمست يدها يد رجل منهم فنزلت الآية . وقالت عائشة وجماعة سببها كلام عمر وأنه كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يحجب نساءه . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل وكان عمر يتابع . فخرجت سودة ليلا لحاجتها وكانت امرأة تفرع النساء طولا ، فناداها عمر : قد عرفناك يا سودة حرصا على الحجاب . وقالت له زينب بنت جحش : عجبا لك يا ابن الخطاب تغار علينا والوحي نزل في بيوتنا . فما زال عمر يتابع حتى نزلت آية الحجاب {[10391]} . وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه وافقت ربي في ثلاث ، منها الحجاب ومقام إبراهيم وعسى ربه أن طلقكن {[10392]} الحديث . وكانت عادة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوها أن يبكر من شاء إلى دار الدعوة ينظرون طبخ الطعام ونضجه في حديث أنس . وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك فنهى الله تعالى المؤمنين عن فعل ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم . ويدخل تحت هذا النهي سائر المؤمنين . والتزم الناس أدب الله تعالى في ذلك . قال بعضهم لما أنزل الله تعالى في أمهات المؤمنين : { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } خصصن بذلك دون سائر النساء . ولا يجوز أن يرون متنقبات . وكن إذا طفن بالبيت يستترن من الناس فلا يشاركن في الطواف . وأمر عمر أن لا يخرج في جنازة زينب بنت جحش إلا ذو محرم مراعاة للحجاب . وكانت توفيت في خلافته وما دلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش بالقبة وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة . فصنعه عمر ونادى في الناس أن اخرجوا فصلوا على أمكم . وروي أن ذلك صنع في جنازة السيدة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم . والمتاع عام في جميع ما يمكن أن يطلب على عرف السكنى والمجاورة ، من الماعون وسائر المرافق للدين والدنيا . وأما آية حكم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعده فاختلف في سببها أيضا . فروي أنها نزلت بسبب أن بعض الصحابة قال لو مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتأذى منه . هكذا كنى عنه ابن عباس ببعض الصحابة {[10393]} . وروي عن معمر أنه قال : هو طلحة بن عبيد الله {[10394]} . وروي أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة ، وحفصة بعد خنيس بن حذافة السهمي : ما بال محمد يتزوج نساءنا . والله لو مات لأجلنا السهام على نسائه {[10395]} فنزلت الآية في هذا وحرم الله تعالى نكاح أزواجه بعده وجعل لهن حكم الأمهات . ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ثم رجعت تزوج عكرمة بن أبي جهل {[10396]} قتيلة بنت الأشعت بن قيس . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوجها ولم يبن بها فصعب ذلك على أبي بكر الصديق ، فقال له عمر : مهلا يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنه لم يحزها ولا أرخى عليها حجابا وقد أبانتها منه ردتها مع قومها . فسكن أبو بكر .