/م48
وفي آخر آية تختم بها قصّة نوحفي هذه السورةإِشارة كلية عامّة إلى ما حدث في عهد نوح فتقول: ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إِليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) .
فالخطاب هنا للنّبي محمّد( صلى الله عليه وآله وسلم ) يؤكّد عليه أن يصبر ويستقيم كما صبر واستقام نوح( عليه السلام ) عندما واجه المشاكل ،وهكذا تكون عاقبة الصبر النصر ( فاصبر إِنّ العاقبة للمتقين ) .
الآية الأخيرة تشير إلى عدّة مسائل:
1إِنّ بيان قصص الأنبياء( عليهم السلام )بالصورة الواقعية والخالية من أي نوع من أنواع التحريف والخرافةممكن عن طريق الوحي السماوي فحسب ،وإلاّ فإِنّ كتب تاريخ الماضين مليئة بالأساطير والقصص الخياليّة التي بلغت درجةلا يمكن معها معرفة الحق من الباطل ،وكلما عدنا إلى الوراء أكثر وجدنا الخلط والتزييف أكثر .
فعلى هذا ،يعتبر بيان حال الأنبياء الماضين والأقوام السالفة بصورة سليمة وخالية من الخرافات والخزعبلات دليلا على حقانية القرآن والإسلام والنّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
2يستفاد من هذه الآيةخلافاً لما يتصوره البعضأنّ الأنبياء كانوا يعلمون الغيب عن طريق تعليم الله وبالمقدار الذي كان يريده الله لهم ،لا أنّهم يعلمون الغيب من أنفسهم ،وإذا وجدنا في بعض الآيات ما ينفي العلم الغيبي عنهم ،فهو إِشارة إلى أنّ علمهم ليس ذاتياً ،بل هو من الله .
3وهذه الآية توضح حقيقة أُخرى ،وهي أنّ بيان قصص الأنبياء والأقوام الماضين في القرآن ليس درساً للمسلمين فحسب ،بل هو إِضافة إلى ذلك تسلية لخاطر النّبي وطمأنة لقلبه ،لأنّه بشر أيضاً ،وينبغي أن يتلقى الدروس من الأديان الإلهية و يتهيأ لمواجهة الطاغوت في عصره ،وأن لا يكترث بهموم المشاكل في طريقه .
أي كما واجه نوح المشاكل بصبر واستقامة لسنين طوال ليهدي قومه إلى الإِيمان ،فعليك يا نبي الإِسلام أن لا تدع الصبر والاستقامة على كل حال !
والآن نودع قصّة نوح بكل ما تحمل من عبر وأعاجيب ،ونتوجه إلى نبي عظيم آخر وهو هود الذي سُمّيت هذه السورة باسمه .