وفي تلك اللحظة ،وبعد أن مضت أيّام الامتحان الصعبوكان قد اشتدت محنة الفراق على يوسف وظهرت عليه آثار الكآبة والهمّ ،أراد أن يعرّف نفسه لإخوته فابتدرهم بقوله: ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) .
لاحظوا عظمة يوسف وعلوّ نفسه حيث يسألهم أوّلا عن ذنبهم لكن بهذه الكناية اللطيفة يقول: ( ما فعلتم ) وثانياً يبيّن لهم طريقة الاعتذار وأنّ ما ارتكبوه في حقّ إخوتهم إنّما صدر عن جهلهم وغرورهم ،وأنّه قد مضى أيّام الصبى والطفولة وهم الآن في دور الكمال والعقل !
كما أنّه يفهم من الآية الشريفة أنّ يوسف لم يكن وحده الذي ابتلي بإخوته ومعاملتهم السيّئة ،بل إنّ بنيامين أيضاً كان يقاسي منهم ألوان العذاب ،ولعلّه قد شرح لأخيه يوسف في الفترة التي قضاها في مصر ،جانباً ممّا عاناه تحت أيديهم ،ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ يوسف حينما استفسر عمّا فعلوه معه ومع أخيه ختم استفساره بابتسامة عريضة ليدفع عن أذهانهم احتمال أنّه سوف ينتقم منهم فظهرت لإخوته أسنانه الجميلة ولاحظوا وتذكّروا الشبه بينه وبين أسنان أخيهم يوسف{[1894]} .
أمّا هم ،فإنّهم حينما لاحظوا هذه الأُمور مجتمعة ،وشاهدوا أنّ العزيز يتحدّث معهم ويستفسرهم عمّا فعلوه بيوسف ،تلك الأعمال التي لم يكن يعلمها أحد غيرهم إلاّ يوسف .
ومن جهة أُخرى أدهشهم يوسف وما أصابه من الوجد والهياج حينما استلم كتاب يعقوب ،وأحسّوا بعلاقة وثيقة بينه وبين صاحب الرسالة .
وثالثاً كلّما أمعنوا النظر في وجه العزيز ودقّقوا في ملامحه ،لاحظوا الشبه الكبير بينه وبين أخيهم يوسف ..لكنّهم في نفس الوقت لم يدر بخلدهم ولم يتصوّروا أنّه يمكن أن يكون أخوهم يوسف قد ارتقى منصب الوزارة وصار عزيزاً لمصر ،أين يوسف وأين الوزارة والعزّة ؟!