التّفسير
المياه ،الثمار ،الأنعام:
مرّة أُخرى ،يستعرض القرآن الكريم النعم والعطايا الإِلهية الكثيرة ،تأكيداً لمسألة التوحيد ومعرفة اللّه ،وإِشارة إلى مسألة المعاد ،وتحريكاً لحس الشكر لدى العباد ؛ليتقربوا إِليه سبحانه أكثر ،ومن خلال هذا التوجيه الرّباني تتّضح علاقة الربط بين هذه الآيات وما سبقها من آيات .
فالآية الأخيرة من الآيات السابقة تناولت مسألة نزول القرآن وما فيه من حياة لروح الإِنسان ،وبنفس السياق تأتي الآية الأُولى من الآيات مورد البحث ؛لتتناول نزول الأمطار وما فيها من حياة لجسم الإِنسان: ( واللّه أنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها إنّ في ذلك لآيةً لقوم يسمعون ) .
لقد تناولت آيات قرآنية كثيرة مسألة إِحياء الأرض بواسطة نزول الأمطار من السماء ،فكم من أرض يابسة ،أو ميتة أحياناً ،أو أصابها الجفاف فأخرجها عن مجال الاستفادة من قبل الإِنسان ،ونتيجة لما وصلت إِليه من وضع قد يخيل للإِنسان أنّها أرض غير منبتة أصلا ،ولا يصدّق بأنّها ستكون أرض معطاء مستقبلا،ولكن بتوالي سقوط المطر عليها ،وما يبث عليها من أشعة الشمس ،ترى وكأنّها ميت قد تحرك حينما تدب فيه الروح من جديد ،فتسري في عروقها دماء المطر ،وتعاد لها الحياة ،فتعمل بحيوية ونشاط ،وتقدم أنواع الورود والنباتات ،ومن ثمّ تتجه إِليها الحشرات والطيور ،وأنواع الحيوانات الأُخرى من كل جانب ،وبذلك ...تبدأ عجلة الحياة على ظهرها بالدوران من جديد .
وخلاصة المقال أنّه سيبقى الإِنسان مبهوتاً أمام تحول الأرض الميتة إلى مسرح جديد للحياة ،وهذا بحق من أعظم عجائب الخلقة .
وهذا المظهر من مظاهر قدرة وعظمة الخالق عز وجل يدلل بما لا يقبل الشك على إِمكان المعاد ،وما ارتداء الأموات لباس الحياة الجديد ،إِلاّ أمر خاضع لقدرته سبحانه .
وإِنّ نعمة الأمطار ،( التي لا يتحمل الإِنسان أي قسط من أمر إِيجادها ) ،دليل آخر على قدرة وعظمة الخالق سبحانه .