والأكثر حزناً وأسفاً بالنسبة لهُ هو ما أصبح عليه مِن الوحدة في مقابل كل هذه المصائب والابتلاءات: ( ولم تكن لهُ فئة ينصرونه مِن دون الله ) .
ولأنَّهُ فقد ما كان يملكهُ مِن رأس المال ولم يبقي لديه شيء آخر ،فإِنَّ مصيره: ( وما كان منتصراً ) .
لقد انهارت جميع آماله وظنونه الممزوجة بالغرور ،لقد أدت الحادثة إلى انتهاء كل شيء ،فهو مِن جانب كانَ يقول: إِنّي لا أصدق بأنَّ هذه الثروة العظيمة مِن الممكن أن تفنى ،إِلاَّ أنّني رأيت فناءها بعيني !
ومِن جانب آخر فقد كان يتعامل مع رفيقه المؤمن بكبر ويقول: إِنّني أقوى مِنك وأكثر أنصاراً ومالا ،ولكنَّهُ بعد هذه الحادثة اكتشف أن لا أحد ينصره !
ومِن جانب ثالث فإِنَّهُ كان يعتمد على قوته وقدرته الذاتية ،ويعتقد بأنَّ غير قدرته محدودة ،لكنَّهُ بعدَ هذه الحادثة ،وبعد أن لم يكن بمقدوره الحصول على شيء ،انتبه إلى خطئه الكبير ،لأنَّهُ لم يعد يتملك شيئاً يعوضه جانباً مِن تلك الخسارة الكبرى .
وعادةً ،فإنَّ الأصدقاء الذين يلتفون حولَ الإِنسان لأجلِ المال والثروة مثلهم كمثل الذباب حول الحلوى ،وقد يُفكِّر الإِنسان أحياناً بالاعتماد عليهم في الأيّام الصعبة ،ولكن عندما يُصاب فيما يملك يتفرق هؤلاء الخلاّن مِن حوله ،لأنَّ صداقتهم له لم تكن لرابط معنوي ،بل كانت لأسباب مادية ،فإذا زالت هذه الأسباب انتفت الرفقة !
وهكذا انتهي كل شيء ولا ينفع الندم ،لأنّ مِثل هذِه اليقظة الإِجبارية التي تحدث عندَ نزول الابتلاءات العظيمة يُمكن ملاحظتها حتى عندَ أمثال فرعون ونمرود ،وهي بلا قيمة ،لهذا فإِنّها لا تؤثِّر على حال مَن ينتبه .
صحيح أنَّهُ ذكر عبارة ( لم أشرك بربّي أحداً ) وهي نفس الجملة التي كانَ قد قالها لهُ صديقه المؤمن ،إِلاَّ أنَّ المؤمن قالها في حالة السلامة وعدم الابتلاء ،بينما ردَّدها صاحب البستان في وقت الضيق والبلاء .
/خ44