وبعد الوصف الإِجمالي للجنّة ونعمها المادية والمعنوية ،تعرّف الآية أهل الجنّة في جملة قصيرة ،فتقول: ( تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقياً )وعلى هذا فإن مفتاح باب الجنة مع كل تلك النعم التي مرت ليس إِلاّ «التقوى » .
وبالرغم من أنّ التعبير ب «عبادنا » فيه إِشارة إِجمالية إلى الإِيمان والتقوى ،غير أنّ المحل هنا لا يكتفى فيه بالإِشارة الإِجمالية ،بل لابدّ من بيان هذه الحقيقة بصراحة ،بأن الجنة محل المتقين فقط .
ونواجه هنا مرّة أُخرى كلمة الإِرث ،والتي تطلق عادة على الأموال التي تنتقل من شخص إلى آخر بعد موته ،في حين أنّ الجنّة ليست مملوكة لأحد حتى يمكن توريثها للآخرين .
ويمكن الإِجابة على هذا السؤال عن طريقين:
1إِنّ الإرث من الناحية اللغوية جاء بمعنى التمليك ،ولا ينحصر بالانتقال المالي من الميت إلى الورثة .
2إِنّنا نقرأ في حديث عن النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ): «ما من أحد إِلاّ وله منزل في الجنّة ومنزل في النّار ،فأمّا الكافر فيرث المؤمن منزله من النّار ،والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنّة »{[2379]} .
ويلزم هنا أيضاً ذكر هذه النكتة ،وهي أن الوراثة التي وردت بذلك المعنى في الحديث ليست على أساس العلاقة النسبية ،بل على أساس التقوى الدينية والعملية .
ويستفاد هذا المعنى أيضاً من سبب النّزول الذي ذكره بعض المفسّرين للآية ،بأن أحد المشركينواسمه العاص بن وائلقد منع أجيره أجرهوالظاهر أنّه كان مسلماًوقال متهكماً: إن كان ما يقوله محمّد حقاً فنحن أولى من غيرنا بنعم الجنّة ،وسندفع أجر هذا العامل بالكامل هناك !فنزلت هذه الآية وقالت: إنّ الجنّة مختصة بمن كان تقياً .