ولما كان القرآن كتاب هداية ،فإنه لا يغلق منافذ الأمل والتوبة أمام الأفراد ،ولا يقطع أملهم في العودة مهما ارتكسوا في الذنوب ،لذلك تبين الآية التالية طريق النجاة من هذا الذنب الكبير وتقول: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَابُ الرَّحِيمُ ) .
عبارة ( أنَا التَّوَابُ الرَّحِيمُ ) جاءت بعد عبارة ( فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ )للدلالة على كثرة محبة الله ،وسبق عطفه على عباده التائبين .فيقول سبحانه لهؤلاء: إن تبتم ،أي عدتم إلى نشر الحقائق ،فأنا أعود أيضاً إلى إغداق الرحمة والمواهب عليكم .
ومن الملفت للنظر ،أن الله لم يقل أنه يقبل التوبة ممن تاب ،بل يقول: من تاب فأنا أيضاً أتوب عليه ،والفرق في التعبيرين واضح ،فالثاني فيه من التودّد والتحنن وإغداق اللطف ما لا يمكن وصفه .
ثم استعمال الضمير ( أنا ) في هذا الموضع يستهدف نوعاً من التودّد وبيان الارتباط المباشر بين المتكلم والسّامع وخاصة إذا قال عظيم من العظماء: «أنا أتكفل لك بالعمل الفلاني » حيث يختلف عما لو قال: «سنقوم نحن بانجاز العمل » فالمحبّة الكامنة في الأسلوب الأول غير خافية على أحد .
وكلمة «توّاب » صيغة مبالغة تبعث الأمل في نفوس المذنبين وتمزق أستار اليأس ،عن سماء أرواحهم خاصة وأنها اقترنت بكلمة ( رحيم ) التي تشير إلى الرحمة الإلهية الخاصة .
/خ160