الآية
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيَام أَو صَدَقَة أَوْ نُسُك فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ واتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 196 )
التّفسير
بعض أحكام الحجّ المهمّة:
لا يُعلم بدقّة تاريخ نزول الآيات المتعلّقة بالحجّ في القرآن الكريم ،ولكن يرى بعض المفسّرين العظام أنّها نزلت في حجّة الوداع{[281]} ،في حين يرى بعضهم أنّ جملة ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) ناظرة إلى حادثة ( الحديبيّة ) الواقعة في السنّة السادسة للهجرة حيث منع المسلمون من زيارة بيت الله الحرام .
ففي هذه الآية ذُكرت أحكام كثيرة:
1في مطلع الآية تأكيد على أنّ أعمال العمرة والحجّ ينبغي أن تكون لله وطلب مرضاته فقط ( وأتمّوا الحجّ والعمرة لله ) من هنا لا ينبغي أن يشوب أعمال الحجّ نيّة أخرى غير الدافع الإلهي وكذلك الإتيان بالعمل العبادي هذا كاملاً وتامّاً بمقتضى جملة ( وأتمّوا ) .
2ثمّ أنّ الآية تشير إلى الأشخاص الّذين لا يحالفهم التوفيق لأداء مناسك الحجّ والعمرة بعد لبس ثياب الإحرام بسبب المرض الشديد أو خوف العدو وأمثال ذلك ،فتقول ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) فمثل هذا الشخص عليه أن يذبح ما تيّسر له من الهدي ويخرج بذلك من إحرامه{[282]} .
وعلى كلّ حال فإنّ الأشخاص الّذين منعهم مانع ولم يتمكنّوا من أداء مراسم الحجّ والعمرة فيمكنهم بالاستفادة من هذه المسألة أن يحلّوا من إحرامهم .
ونعلم أيضاً أنّ الهدي يمكن أن يكون بعيراً أو بقرة أو خروفاً ،وهذا الأخير أقلّ الهدي مؤنةً ،ولهذا كانت جملة ( فما استيسر من الهدي )تشير غالباً إلى الغنم .
3ثمّ أنّ الآية الشريفة تشير إلى أمر آخر من مناسك الحجّ فتقول: ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه ) .
فهل أنّ هذا الأمر يتعلّق بالأشخاص المحصورين الممنوعين من أداء مراسم الحجّ ،فهو بمثابة تكميل للأوامر السابقة ،أو أنّه يشمل جميع الحجّاج ؟اختار بعض المفسّرين الرأي الأوّل وقالوا أنّ المراد من محل الهدي أي محل الأضحية هو الحرم .
وقال آخرون أنّ المراد هو المكان الّذي حصل فيه المانع والمزاحم ويستدلّ بفعل النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في واقعة الحديبيّة الّتي هي مكان خارج الحرم المكّي ،حيث أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد منع المشركين له ذبح هديه في ذلك المكان وأمر أصحابه أن يفعلوا ذلك أيضاً .
يقول المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي: ( ذهب علماؤنا إلى أنّ المحصور إذا كان بسبب المرض فيجب عليه ذبح الأضحية في الحرم ،وإذا كان بسبب منع الأعداء فيجب الذبح في نفس ذلك المكان الّذي مُنع به ) .
ولكنّ ذهب مفسرون آخرون إلى أنّ هذه الجملة ناظرة إلى جميع الحجّاج وتقول: لا يحقّ لأحد التقصير ( حلق الرأس والخروج من الإحرام ) إلاّ أن يذبح هديه في محلّه ( ذبح الهدي في الحجّ يكون في منى وفي العمرة يكون في مكّة ) .
وعلى كلّ حال ،فالمراد من بلوغ الهدي محلّه هو أن يصل الهدي إلى محل الذبح فيُذبح ،وهذا التعبير كناية عن الذبح .
ومع الأخذ بنظر الاعتبار عموميّة التعبير الوارد في الآية الشريفة فالتفسير الثاني يكون أنسب ظاهراً بحيث يشمل المحصور وغير المحصور .
4ثمّ تقول الآية ( فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيام أو صدقة أو نُسُك ) .
( نُسُك ) في الأصل جمع ( نسيكة ) بمعنى حيوان مذبوح ،وهذه المفردة جاءت بمعنى العبادة أيضاً{[283]} ولهذا يقول الراغب في المفردات بعد أن فسّر النُسُك بالعبادة: هذا الاصطلاح يأتي في أعمال الحجّ و ( نسيكة ) بمعنى ( ذبيحة ) .
ويرى بعض المفسّرين أيضاً أنّ الأصل في هذه الكلمة هو سبائك الفضّة ،وقيل للعبادة ( نُسُك ) بسبب أنّها تطهّر الإنسان وتخلّصه من الشوائب{[284]} () .
وعلى أيّ حال فإنّ ظاهر الآية أنّ مثل هذا الشخص مخيّراً بين ثلاث أمور ( الصوم والصدقة أو ذبح شاة ) .والوارد في روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) أنّ الصوم في هذا المورد يجب أن يكون ثلاثة أيّام والصّدقة على ستّة مساكين ،وفي رواية أخرى على عشرة مساكين ،وكلمة ( نُسُك ) تعني شاة{[285]} .
5ثمّ تضيف الآية ( فإذا آمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي )وهذه إشارة إلى أنّه يجب الذبح في حجّ التمتّع ويكون المكلّف في هذا الحجّ قد أتى بالعمرة قبله ،ولا فرق في هذا الهدي بين أن يكون من الإبل أو من البقر أو من الضّأن دون أن يخرج من الإحرام .
وحول الأصل في كلمة ( الهدي ) فهناك قولان حسب ما أورده المرحوم الطبرسي: الأوّل أنّه مأخوذ من ( الهدية ) وبما أنّ الأضحية هي في الواقع هديّة إلى بيت الله الحرام فقد أطلق عليها هذه الكلمة ،والآخر أنها من مادّة ( الهداية ) لأن الحيوان المقرّر للذّبح يؤتى به مع الحاج إلى بيت الله الحرام ،أو يكون هدايته إلى بيت الله .
ولكنّ ظاهر كلام الراغب في المفردات أنّه مأخوذ من الهديّة فقط فيقول: ( هَدْي ) جمع ومفرده ( هديّة ) .
وقد أورد في معجم مقاييس اللغة أنّ لهذه الكلمة أصلان: الهداية والهديّة ،ولكنّ لا يبعد أن تعود كليهما إلى الهداية ،لأنّ الهديّة تعني الشيء الّذي يهدى إلى الشخص الآخر ،أي يساق إليه هديّة ( فتأمّل بدّقة ) .
6ثمّ أنّ الآية تبيّن حكم الأشخاص الغير قادرين على ذبح الهدي في حجّ التمتع فتقول: ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) .
فعلى هذا فلو لم يجد الإنسان أضحيةً أو أنّ وضعه المالي لا يطيق ذلك فيجب عليه جبران ذلك بصيام عشرة أيّام ،يصوم ثلاثة أيّام منها ( يوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجّة ) في أيّام الحجّوهذه هي من الأيّام الّتي يجوز فيها الصوم في السفرويأتي بصيام سبعة أيّام بعد ذلك حين العودة إلى الوطن .
واضح أن مجموع ثلاثة أيّام في الحج وسبعة بعد الرجوع يساوي عشرة ،لكنّ القرآن عاد فأكّد بأنّها عشرة كاملة .
بعض المفسّرين قال في تفسير هذه الجملة أن الواو تأتي للجمع وتأتي أحياناً للتخيير بمعنى ( أو ) ،ومن أجل رفع توهّم التخيير أكّدت الآية على رقم عشرة ،ويُحتمل أيضاً أن التعبير بكلمة ( كاملة ) إشارة إلى أنّ صوم الأيّام العشرة يحلّ محل الهدي بشكل كامل ،ولهذا ينبغي للحجاج أن يطمأنّوا لذلك وأنّ جميع ما يترتّب على الأضحية من ثواب وبركة سوف يكون من نصيبهم أيضاً .
وقال بعضهم: إنّ هذا التعبير إشارة إلى نكتة لطيفة في العدد ( عشرة ) لأنّه من جانب أكمل الأعداد ،لأنّ الأعداد تتصاعد من واحد يتصل إلى عشرة بشكل تكاملي ،ثمّ بعد ذلك تترتّب من عشرة وأحد الأعداد الأخرى لتكون أحد عشر واثنى{[286]} عشر ...حتّى تصل إلى عشرين أي ضعف العدد عشرة ثمّ ثلاثين وهكذا .
7ثمّ أنّ الآية الشريفة تتعرّض إلى بيان حكم آخر وتقول ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) فعلى هذا لا يكون لأهل مكّة أو الساكنين في أطرافها حجّ التمتّع ،لأنّه يختصّ بالمسلمين خارج هذه المنطقة ،فالمشهور بين الفقهاء أنّ كلّ شخص يبعد عن مكّة 48 ميلاً فإنّ وظيفته حجّ التمتّع ،وأمّا إذا كان دون هذه المسافة فوظيفته حجّ القِران أو الإفراد والّذي تكون عمرته بعد الإتيان بمراسم الحجّ ( وتفصيل هذا الموضوع وبيان مراتبه مذكور في الكتب الفقهيّة ) .
وبعد بيان هذه الأحكام السبعة تأمر الآية في ختامها بالتقوى وتقول ( واتّقوا الله وأعلموا أنّ الله شديد العقاب ) ولعلّ هذا التأكيد يعود إلى أنّ الحجّ عبادة إسلاميّة هامّة ولا ينبغي للمسلمين التّساهل في أداء مناسكه وأنّ ذلك سيؤدّي إلى أضرار كثيرة ،وأحياناً يسبّب فساد الحجّ وزوال بركاته المهمّة .
بحوث
1أهميّة الحجّ بين الواجبات الإسلاميّة
يُعتبر الحجّ من أهم العبادات التي شُرعت في الإسلام ولها آثار وبركات كثيرة جدّاً ،فهو مصدر عظمة الإسلام وقوّة الدّين واتّحاد المسلمين ،والحجّ هو الشعيرة العباديّة التي ترعب الأعداء وتضخ في كلّ عام دماً جديداً في شرايين المسلمين .
والحجّ هو تلك العبادة الّتي أسماها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ب ( علم الإسلام وشعاره ) وقال عنها في وصيته في الساعات الأخيرة من حياته ( الله الله في بيت ربّكم لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا ){[287]} أي أنّ البلاء الإلهي سيشملكم دون إمهال .وقد فهم أعداء الإسلام أهميّة الحجّ أيضاً إذ صرّح أحدهم:
( نحن لا نستطيع أن نحقّق نصراً على المسلمين ما دام الحجّ قائماً بينهم ){[288]} .
وقال أحد العلماء ( الويل للمسلمين إن لم يفهموا معنى الحجّ ،والويل لأعدائهم إذا عرفوا معناه ) .
وفي الحديث المعروف عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في بيان توصفة الأحكام كما ورد في نهج البلاغة الحكمة 252 أنّه أشار ( عليه السلام ) إلى أهميّة الحجّ الكبيرة وقال ( فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ...والحجّ تقوية للدّين ){[289]} .
ونختتم هذه الفقرة بحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) وسيأتي شرحه بالتفصيل في ذيل الآية 26 إلى 28 من سورة الحجّ وبيان أهميّة وفلسفة وأسرار الحجّ هناك ) فقال ( عليه السلام ): ( لا يزال الدّين قائماً ما قامت الكعبة ){[290]} .
2أقسام الحجّ وبيان أعمال حجّ التمتّع
لقد قسّم الفقهاء العظام وبإلهام من الآيات والأحاديث الشريفة عن النبي وآله ( عليهم السلام ) الحجّ إلى ثلاثة أقسام: حجّ التمتّع ،وحجّ القِران ،وحجّ الإفراد .
أمّا حجّ التمتّع فيختص بمن كان على مسافة 48 ميلاً فصاعداً من مكّة ( 16 فرسخ وما يعادل 96 كيلومتر تقريباً ،وأمّا حجّ القِران والإفراد فيتعلّقان بمن كان أدنى من هذه الفاصلة .ففي حجّ التمتّع يأتي الحاج بالعمرة أوّلاً ثمّ يحلّ من إحرامه وبعد ذلك يأتي بمراسم الحجّ في أيّامه المخصوصة ،ولكن في حجّ القِران والإفراد يبدأ أوّلاً بأداء مراسم الحجّ ثمّ بعد الانتهاء منها يشرع بمناسك العمرة مع تفاوت أنّ الحاج في حجّ القِران يأتي ومعه هديه ،أمّا في حجّ الإفراد فلا هدي فيه ولكن بعقيدة أهل السّنة أنّ حجّ القِران هو أن يقصد بالحجّ والعمرة بإحرام واحد .
أمّا أعمال حجّ التمتّع فكما يلي:
في البداية يُحرم الحاج للحجّ من الأماكن الخاصّة به وتسمّى الميقات ،أي أنّ الحاج يتعهد بالإحرام أن يترك ويتجنّب سلسلة من المحرّمات على المُحرم ،ويرتدي ثوبي الإحرام غير المخيطة ،ويبدأ بالتلبية وهو متّجه إلى بيت الله الحرام ،ثمّ يشرع بالطّواف حول الكعبة سبعة مرّات ،وبعد ذلك يصلّي ركعتين صلاة الطواف في المحل المعروف بمقام إبراهيم ،ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعة مرّات ،ثمّ بعد الانتهاء من السعي يقصّر ،أي يقص مقداراً من شعره أو أظافره ،وبذلك يخرج من الإحرام ويحلّ منه .
ثمّ يحرم مرّة أخرى من مكّة لأداء مناسك الحجّ ويذهب مع الحجاج في اليوم السابع من ذي الحجّة إلى «عرفات » وهي صحراء على بعد 4 فراسخ من مكّة ،ويبقى في ذلك اليوم من الظهر إلى غروب الشمس في ذلك المكان حيث يشتغل بالعبادة والمناجاة والدّعاء ،ثمّ بعد غروب الشمس يتّجه إلى ( مشعر الحرام ) ويقع على بعد فرسخين ونصف من مكّة تقريباً ويبقى هناك إلى الصباح ،وحين طلوع الشمس يتوجّه إلى «منى » الواقعة على مقربة من ذلك المكان ،وفي ذلك اليوم الّذي هو يوم «عيد الأضحى » يرمي الحاج ( جمرة العقبة ) بسبعة أحجار صغيرة ( وجمرة العقبة على شكل اُسطوانة حجريّة خاصّة ) ثمّ يذبح الهدي ويحلق رأسه ،وبذلك يخرج من إحرامه .
ثمّ أنّه يعود إلى مكّة في نفس ذلك اليوم أو في اليوم القادم ،ويطوف حول الكعبة ويؤدّي صلاة الطواف والسعي بين الصفا والمروة ثمّ طواف النساء وصلاة الطواف أيضاً ،وفي اليوم الحادي عشر والثاني عشر يرمي في منى الجمرات الثلاثة واحدة بعد الأخرى بسبعة أحجار صغيرة ،ويبقى في ليلة الحادي عشر والثاني عشر في أرض منى ،وبهذا الترتيب تكون مناسك الحجّ إحياءً لذكرى تاريخيّة وعبارة عن كنايات وإشارات لمسائل تتعلّق بتهذيب النفس ولها أغراض اجتماعية كثيرة ،وسوف نستعرض كلّ واحدة منها في الآيات المناسبة له .
3لماذا نسخ البعض حجّ التمتّع ؟
إنّ ظاهر الآية محل البحث هو أنّ وظيفة الأشخاص البعيدين عن مكّة هي حجّ التمتّع ( الحجّ الّذي يبتدئ بالعمرة وبعد الانتهاء منها يخرج من الإحرام ثمّ يجدّد الإحرام للحجّ ويأتي بمناسك الحجّ ) وليس لدينا دليل إطلاقاً على نسخ هذه الآية ،بل إنّ الروايات الكثيرة في كتب الشيعة وأهل السنّة وردت في هذا الصدد ،ومن جملة المحدّثين المعروفين من أهل السنّة ( النسائي في كتاب السنن ) و ( أحمد في كتاب المسند ) و ( ابن ماجة في كتابه السنن ) و ( البيهقي في السنن الكبرى ) و ( الترمذي في صحيحه ) و ( مسلم أيضاً في كتابه المعروف بصحيح مسلم ) فهناك وردت روايات كثيرة في حجّ التمتّع وأن هذا الحكم لم ينسخ وهو باق إلى يوم القيامة .والكثير من فقهاء أهل السنّة أيضاً ذهبوا إلى أنّ أفضل أنواع الحجّ هو حجّ التمتع بالرّغم من أنّهم أجازوا إلى جانبه حجّ القِران والإفراد ( بذلك المعنى الّذي تقدّم آنفاً من الفقهاء ) .
ولكنّ هناك حديث معروف نقل عن عمر بن الخطاب حيث قال ( متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ويعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحجّ ) .
يقول «الفخر الرازي » في ذيل الآية مورد البحث بعد نقل هذا الحديث عن عمر: إنّ المراد من متعة الحجّ هو أن يجمع بين الإحرامين ( إحرام الحجّ وإحرام العمرة ) ثمّ يفسخ نيّة الحجّ ويأتي بالعمرة المفردة وبعد ذلك يأتي بالحجّ{[291]} .
فمن البديهي أنّه لا يحق لأحد نسخ الحكم الشرعي إلاّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )وأساساً أنّ هذا التعبير وهو أنّ رسول الله قال كذا وأنا أقول كذا هو تعبير غير مقبول من أي شخص ،فهل يصحّ إهمال أمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وطرحه والالتزام بأوامر الآخرين ؟
وعلى كلّ حال ،فإنّ الكثير من علماء أهل السنّة في هذا الزمان تركوا الخبر المذكور ،وذهبوا إلى أنّ حجّ التمتع أفضل أنواع الحجّ وعملوا على وفقه .