/م1
وأشارت الآية التالية إِلى الرّكن الرّابع ،أي: «العالمية » ،فقالت: ( وإِن تجهر بالقول فإنّه يعلم السر وأخفى ) .وهناك نقاش وبحث بين المفسّرين في المراد من «أخفى » هنا:
ذهب بعضهم إِلى أنّ السر هو أن يتحدث إِنسان مع آخر بصورة خفية ،وأخفى: هو أن يحتفظ الإِنسان بذلك القول والأمر في قلبه ولا يحدث به أحداً .
وذهب آخرون: إن «السر » هو ما أضمره الإِنسان في قلبه ،و«أخفى » هو الذي لم يخطر على باله ،إِلاّ أنّ الله سبحانه مطلع عليه وعالم به .
وقال ثالث: إِنّ «السر » هو ما يقوم به الإِنسان من عمل في الخفاء ،وأخفى: هي النية التي في قلبه .
وقال رابع: إِن ( السر ) يعني أسرار الناس ،و( أخفى ) هي الأسرار التي في ذات الله المقدسة .
في حديث عن الإِمامين الباقر والصادق( عليهما السلام ): «السر ما أخفيته في نفسك ،وأخفى ما خطر ببالك ثمّ أُنسيته »{[2410]} .إِنّ هذه الحديث يمكن أن يكون إِشارة إِلى أن ما يتعلمه الإِنسان يودع في مخزن الحافظة ،غاية الأمر أن ارتباط الإِنسان قد ينقطع أحياناً مع زاوية من هذا المخزن ،فتنتج حالة النسيان ،ولذلك فإنّه إِذا ما تذكر ذلك المنسي بطريقة ما ،فسيرى هذا المطلب واضحاً ومعروفاً لديه ،وبناء على هذا فإن ما ينساه الإِنسان هو أخفى أسراره التي أُخفيت في زوايا الحافظة ،وقُطع ارتباطه بها بصورة مؤقتة ،أو دائمة .
ولكن لا مانع على كل حال من أن تُجمع كل هذه التفاسير التي ذكرت أعلاه في مفهوم الكلمة ومعناها الواسع .وعلى هذا فقد رُسمت صورة واضحة عن علم الله اللامتناهي ،وعرف مُنزل القرآن من مجموع الآيات أعلاه معرفة إِجمالية في الأبعاد الأربعة: الخلقة ،والحكومة ،والمالكية ،والعلم .