التّفسير
نجاة بني إسرائيل وغرق الفراعنة:
بعد حادثة المجابهة بين موسى والسّحرة ،وانتصاره الباهر عليهم ،وإيمان جمع عظيم منهم ،فقد غزا موسى ( عليه السلام ) ودينه أفكار الناس في مصر ،بالرغم من أنّ أكثر الأقباط لم يؤمنوا به ،إلاّ أنّ هذا كان ديدنهم دائماً ،وكان بنو إسرائيل تحت قيادة موسى مع قلّة من المصريين في حالة صراع دائم مع الفراعنة ،ومرّت أعوام على هذا المنوال ،وحدثت حوادث مرّة موحشة وحوادث جميلة مؤنسة ،أورد بعضها القرآن الكريم في الآية ( 127 ) وما بعدها من سورة الأعراف .
وتشير الآيات التي نبحثها إلى آخر فصل من هذه القصّة ،أي خروج بني إسرائيل من مصر ،فتقول: ( ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ) فتهيّأ بنو إسرائيل للتوجّه إلى الوطن الموعود ( فلسطين ) ،إلاّ أنّهم لمّا وصلوا إلى سواحل النيل علم الفراعنة بهم ،فتعقّبهم فرعون في جيش عظيم ،فرأى بنو إسرائيل أنفسهم محاصرين بين البحر والعدو ،فمن جهة نهر النيل العظيم ،ومن جهة أُخرى العدوّ القوي السفّاك الغاضب .
إلاّ أنّ الله الذي كان يريد إنقاذ هذه الاُمّة المظلومة المحرومة المؤمنة من قبضة الظالمين ،وأن يهلك الظالمين في البحر ،أمر موسى أن امض بقومك ( فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً ) طريقاً متى ما مضيت فيه ف:( لا تخاف دركاً ولا تخشى ) .
الطريف هنا أنّ الطريق لم يُفتح وحسب ،بل كان طريقاً يابساً صلباً بأمر الله ،مع أنّ مياه النهر أو البحر إذا ما انحسرت جانباً فإنّ قيعانها تبقى عادةً غير قابلة للعبر عليها .
يقول الراغب في مفرداته: «الدَّرك » أقصى عمق البحر ،ويقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر ليدرك به الماء «درك » ،وكذلك يقال للخسارة التي تصيب الإنسان «درك » ويقال «دركات النّار »في مقابل درجات الجنّة أي حدودها وطبقاتها السفلى .
ولكن مع ملاحظة أنّ بني إسرائيلوطبقاً للآية ( 61 ) من سورة الشعراءلمّا علموا بخبر مجيء جيش فرعون ،قالوا لموسى: ( إنّا لمدركون ) ،وهذا يعني أنّ المراد من الدرك في الآية هنا ،أنّ جيش فرعون سوف لن يصل إليكم ،والمراد من ( لا تخشى ) أنّ أي خطر لا يهدّدكم من ناحية البحر .