ولمّا كان استقرار الأرض لا يكفي لوحده لاستقرار حياة الإنسان ،بل يجب أن يكون آمناً ممّا فوقه ،فإنّ الآية التالية تضيف: ( وجعلنا السّماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون ) .
المراد من السّماء هناكما قلنا سابقاًهو الجوّ الذي يحيط بالأرض دائماً ،وتبلغ ضخامته مئات الكيلومترات كما توصّل إليه العلماء .
وهذه الطبقة رقيقة ظاهراً ،وتتكوّن من الهواء والغازات ،وهي محكمة ومنيعة إلى الحدّ الذي لا ينفذ جسم من خارجها إلى الأرض إلاّ ويفنى ويتحطّم ،فهي تحفظ الكرة الأرضية من سقوط الشهب والنيازك «ليل نهار » التي تعتبر أشدّ خطراً حتّى من القذائف العسكرية .
إضافةً إلى أنّ هذا الغلاف الجوي يقوم بتصفية أشعّة الشمس التي تحتوي على أشعّة قاتلة وتمنع من نفوذ تلك الأشعة الكونية القاتلة .
أجل ،إنّ هذه السّماء سقف متين منيع حفظه الله من الهدم والسقوط{[2504]} .
بحث
2السّماء سقف محكم
قلنا فيما مضى: إنّ ( السّماء ) وردت في القرآن بمعان مختلفة ،فجاءت تارةً بمعنى الجو ،أي الطبقة الضخمة من الهواء ( الغلاف الغازي ) الذي يحيط بالأرض ،كالآية آنفة الذكر .ولا بأس أن نسمع هنا توضيحاً أكثر حول إحكام هذا السقف العظيم من لسان العلماء:
كتب ( فرانك ألن ) اُستاذ الفيزياء الحياتية يقول: إنّ الجو الذي يتكوّن من الغازات التي تحفظ الحياة على سطح الأرض ضخم إلى الحدّ الذي يستطيع أن يكون كالدرع الذي يحفظ الأرض من شرّ المجموعة القاتلة المتكوّنة من عشرين مليون شهاب سماوي تسير بسرعة 50 كيلومتر في الثّانية لتتساقط يومياً على الأرض .
إنّ الغلاف الجوي إضافةً إلى فوائده الأخرى ،فإنّه يحفظ درجة الحرارة على سطح الأرض في حدود مناسبة تساعد على الحياة ،وهو ذخيرة مهمّة جدّاً لنقل الماء والبخار من المحيطات إلى اليابسة ،ولو لم يكن كذلك لكانت كلّ القارات صحاري يابسة لا يمكن الحياة فيها ،وعلى هذا فيجب القول بأنّ المحيطات والغلاف الجوّي هي التي تحفظ للأرض توازنها وثباتها في مدارها .
إنّ وزن بعض هذه الشهب التي تسقط على الأرض يبلغ جزءاً من ألف من الغرام ،إلاّ أنّ قوته نتيجة تلك السرعة الخارقة يعادل قوّة الأجزاء الذرية التي في القنبلة المخرّبة !وقد يكون حجم تلك الشهب بمقدار ذرّة الرمل أحياناً !
في كلّ يوم تحترق ملايين من هذه الشهب قبل وصولها إلى سطح الأرض ،أو تتحوّل إلى بخار ،إلاّ أنّ حجم ووزن بعض الشهب كبير إلى حدٍّ تخترق معه الغلاف الجوي وتصيب سطح الأرض .
ومن جملة الشهب التي عبرت الغلاف الغازي ووصلت إلى الأرض ،هو الشهاب العظيم المعروف ب ( سيبري ) ،والذي أصاب الأرض سنة 1908 وكان قطره بشكل أنّه شغل مكاناً من الأرض بمقدار ( 40 ) كيلومتراً تقريباً وسبّب خسائر كبيرة .
والشهاب الآخر الذي سقط في ( أريزونا ) في أمريكا ،والذي كان بقطر كيلومتر واحد وعمق ( 200 ) متر ،أحدث عند سقوطه على الأرض حفرة عميقة فيها ،وتولّدت منه شهب صغيرة كثيرة نتيجة انفجاره شغلت مساحة كبيرة نسبيّاً من الأرض .
ويكتب ( كرسي موريسن ): إنّ الهواء المحيط بالأرض لو كان أقل قليلا ممّا عليه ،فإنّ الأجرام السماوية والشهب الثاقبة التي ترده بمقدار عدّة ملايين شهاب في اليوم ،وتتلاشى في الفضاء الخارجي ،فإنّها كانت تصل إلى الأرض دائماً وتصيبها .
إنّ هذه الأجرام الفلكيّة تتحرّك بسرعة 640 ميل في الثّانية !وهي تنفجر وتحترق عند اصطدامها بأي شيء ،ولو كانت سرعة هذه الأجرام أقل ممّا هي عليهمثلا بسرعة الطلقةفإنّها كانت تسقط على الأرض جميعاً ،ويتّضح مقدار تدميرها فيما لو أنّ إنساناً تعرّض لسقوط أصغر جرم من هذه الأجرام السماوية عليه ،فإنّها كانت ستمزّقه إرباً إرباً وتفنيه لشدّة حرارتها ،لأنّها تتحرّك بسرعة تعادل سرعة الطلقة ( 90 ) مرّة !
إنّ سمك الهواء المحيط بالأرض يبلغ مقداراً يسمح أن يمرّ من خلاله إلى الأرض المقدار اللازم من الأشعّة الكونية لنمو النباتات ،ويقتل كلّ الجراثيم المضرّة في ذلك الفضاء ،ويوجد الفيتامينات المفيدة{[2505]} .