( إن هو إلاّ رجل به جنّة فتربّصوا به حتّى حين ) .
واستخدم المشركون تعبير ( به جنّة ) ضدّ هذا النّبي المرسل أي به ( نوع من أنواع الجنون ) ليغطّوا على حقيقة واضحة ،فكلام نوح ( عليه السلام ) خير دليل على رجحان علمه وعقله ،وكانوا يبغونفي الحقيقةأن يقولوا: كلّ هذه الاُمور صحيحة ،إلاّ أنّ الجنون فنون له صوراً متباينة قد يقترن أحدها بالعقل !!
أمّا عبارة ( فتربّصوا به حتّى حين ) فقد تكون إشارة إلى انتظار موت نوح ( عليه السلام )من قبل المخالفين الذين ترقّبوا موته لحظة بعد أُخرى ليريحوا أنفسهم ،ويمكن أن تعني تأكيداً منهم لجنونه ،فقالوا: انتظروا حتّى يشفى من هذا المرض{[2699]} .
وعلى كلّ حال فإنّ المخالفين وجّهوا إلى نوح ( عليه السلام ) ثلاثة اتهامات واهية متناقضة ،واعتبروا كلّ واحد منها دليلا ينفي رسالته:
الأوّل: إنّ ادّعاء البشر بأنّهم رسل الله ادّعاء كاذب ،حيث لم يحدث مثل هذا في السابق ،ولو شاء الله ذلك لبعث ملائكته رسلا إلى الناس !
والثّاني: إنّه رجل سلطوي ،وكلامه ادّعاء لتحقيق هدفه !
والثّالث: إنّه لا يملك عقلا سليماً ،وكلّ ما يقوله هو كلام عابر !
وبما أنّ جواب هذه الاتهامات الواهية أمر واضح جدّاً ،وقد جاء في آيات قرآنية أُخرى ،لهذا لم يتطرّق إلى ردّها في هذه الآيات .لأنّه من المؤكّدمن جهةأن يكون قائد الناس أحدهم ومن جنسهم ،ليكون على علم بمشاكلهم ويحسّ بآلامهم ،إضافةً إلى ذلك فإنّ جميع الأنبياء كانوا من البشر .ومن جهة أُخرى يتّضح لنا خلال تصفّح تأريخ الأنبياء واستعراض حياتهم ،أنّ قضيّة الاُخوّة والتواضع ،تنفي أيّة صفة سلطوية عنهم ،كما ثبت رجحان عقلهم وتدبيرهم حتّى عند أعدائهم ،حيث نجدهم يعترفون بذلك خلال أقوالهم .