/م56
والآية التالية تبيّن جانباً من هذه النعم فتقول: ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنّة غرفاً تجري من تحتها الأنهار ){[3190]} .
فهم في قصور تحيط بها أشجار الجنّة من كلّ جانب ،الأنهار المختلفة التي لكلّ منها طعمه ولونه ،طبقاً لآيات القرآن الأخر ،وهي ما بين الأشجار وتحت تلك القصور جارية أبداً ..( لاحظوا أن «غرف » جمع غرفة ،ومعناها البناء المرتفع المشرف على أطرافه ) .
والامتياز الآخر لغرف الجنّة أنّها ليست كغرف الدنيا وقصورها ومنازلها التي ما أن يضع الإنسان فيها قدمه حتى يسمع نداء «الرحيل » ،فغرف الجنّة دائمة ( خالدين فيها ) .
ويضيف القرآن معقباً في ختام الآية ( نعم أجر العاملين ) .
وبموازنة بسيطة بين ما ذكر آنفاً في شأن الكفّار والمذنبين في الآيات السابقة ،وما ورد في هذه الآية ،تتّضح عظمة ثواب المؤمنين .
فالكفّار غارقون في نار جهنّم من قرنهم إلى قدمهم ،ويقال لهم على سبيل التوبيخ ( ذوقوا ما كنتم تعملون ) .
أمّا المؤمنون فهم مقيمون في نعيم الجنّة وتحيط بهم رحمة الله من كلّ جانب ،وبدلا من كلمات التوبيخ يُكلمون بكلام طيب ملؤه المحبّة واللطف الإلهي الكريم ،أجل يقال لهم: ( نعم أجر العالمين ) .
وبديهي أنّ المراد بالعاملين هنا مع قرائن الجمل السابقة ،هم الذين يعملون الصالحات المقرونة بإيمانهم ،وإن كانت كلمة العاملين مطلقة .
وفي حديث عن نبيّ الإسلام العظيم( صلى الله عليه وآله ) يصف الجنّة فيقول: «إنّ في الجنّة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها و بطونها من ظهورها » فنهض بعض أصحابه فقال: يا رسول الله( صلى الله عليه وآله ) لمن هذه الغرف ؟فقال ( صلى الله عليه وآله ): «هي لمن أطاب الكلام ،وأطعم الطعام ،وصلى لله بالليل والناس نيام »{[3191]} .