/م139
الحوادث المرة ميدان تربية:
أجل ،إن لمعركة «أُحد » وما لحق بالمسلمين فيها من هزيمة نتائج وآثاراً ،ومن نتائجها وآثارها الطبيعية أنها كشفت عن نقاط الضعف في الجماعة والثغرات الموجودة في كيانها ،وهي وسيلة فعالة ومفيدة لغسل تلك العيوب والتخلّص من تلك النواقص والثغرات ،ولهذا قال سبحانه: ( وليمحص{[662]} الله الذين آمنوا ) أي أن الله أرادفي هذه الواقعةأن يتخلص المؤمنون من العيوب ويريهم ما هم مبتلون به من نقاط الضعف .إذ يجب لتحقيق الانتصارات في المستقبل أن يمتحنوا في بوتقة الاختبار ،ويزنوا فيها أنفسهم كماقال الإمام علي ( عليه السلام ): «في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال » .
ولهذا قد يكون لبعض الهزائم والنكسات من الأثر في صياغة المجتمعات الإنسانية وتربيتها ما يفوق أثر الانتصارات الظاهرية .
والجدير بالذكر أن مؤلف تفسير المنار نقل عن أستاذه مفتي مصر الأكبر الشيخ محمد عبده أنه رأى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المنام فقال له: «رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليلة الخميس الماضية ( غرة ذي القعدة سنة 1320 ) في الرؤيا منصرفاً مع أصحابه من أُحد وهو يقول: «لو خيّرت بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة » أي لما في الهزيمة من التأديب الإلهي للمؤمنين وتعليمهم أن يأخذوا بالاحتياط ولا يغتروا بشيء يشغلهم عن الاستعداد وتسديد النظر{[663]} .
وأما نتيجة هذه التربية والصياغة التي يتلقاها المؤمنون في خضم المحن والمصائب وآتون الحوادث المرة فهو حصول القدرة الكافية لدحر الشرك والكفر دحراً ساحقاً وكاملاً .وإلى هذا أشار بقوله: ( وليمحق{[664]} الكافرين ) .
فإن المؤمنين بعد أن تخلصوافي دوامة الحوادثمن الشوائب يحصلون على القدرة الكافية للقضاء التدريجي على الشرك والكفر ،وتطهير مجتمعهم من هذه الأقذار والشوائب ،وهذا يعني أنه لابدّ أولاً من تطهير النفس ثمّ تطهير الغير .أي التطهر ثمّ التطهير .
وفي الحقيقة كما أن القمرمع ما هو عليه من النور والبهاء الخاصين بهيفقد نوره شيئاً فشيئاً أمام وهج الشمس وبياض النهار حتّى يغيب في ظلمة المحاق فلا يعود يرى إلاّ عندما تنسحب الشمس من الأُفق ،كذلك يأفل نجم الشرك وأهله وتتضاءل قوة الكفر وأشياعه كلّما ازداد صفاء المسلمين المؤمنين ،وخلصوا من رواسب الضعف والاعوجاج والانحراف .
فهناك علاقة متقابلة بين تمحيص المؤمنين وارتقائهم في مدارج الخلوص والطهر ،ومراتب الصفاء والتقوى ،وبين انزياح الكفر والشرك واندثار معالمهما وآثارهما عن ساحة الحياة الاجتماعية .
هذه هي الحقيقة الكبرى والخالدة التي يلخصها القرآن في هاتين الجملتين اللتين تشكل الأُولى منها المقدمة والثانية النتيجة .
/خ143