التّفسير
تقول الآية الأُولى ( لقد سمع الله قول الّذين قالوا إِنّ الله فقير ونحن أغنياء ) .
أي لو أنّ هؤلاء استطاعوا أنْ يخفوا عن الناس مقالتهم هذه فإِن الله قد سمعها ويسمعها حرفاً بحرف فلا مجال لإِنكارها ،فهو يسمع ويدرك حتى ما عجزت أسماع الناس عن سماعها من الأصوات الخفية جداً أو الأصوات العالية جداً: ( لقد سمع الله قول الّذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء ) .
إِذن فلا فائدة ولا جدوى في الإِنكار ،ثمّ يقول سبحانه: ( سنكتب ما قالوا ) أي أن ما قالوه لم نسمعه فحسب ،بل سنكتبه جميعه .
ومن البديهي أن المراد من الكتابة ليس هو ما تعارف بيننا من الكتابة والتدوين ،بل المراد هو حفظ آثار العمل التي تبقى خالدة في العالم حسب قانون بقاء «الطاقةالمادة » .
بل وحتى كتابة الملائكة الموكّلين من قبل الله بالبشر لضبط تصرفاتهم ،هو الآخر نوع من حفظ العمل الذي هو مرتبة أعلى من الكتابة المتعارفة .
ثمّ يقول: ( وقتلهم الأنبياء ) أي أنّنا لا نكتفي بكتابة مقالاتهم الكافرة الباطلة فحسب ،بل سنكتب موقفهم المشين جداً وهو قتلهم للأنبياء .
يعني أن مجابهة اليهود ،ومناهضتهم للأنبياء ليس بأمر جديد ،فليست هذه هي المرّة الأُولى التي تستهزئ يهود برسول من الرسل ،فإِن لهم في هذا المجال باعاً طويلا في التاريخ ،وصفحة مليئة بنظائر هذه الجرائم والمخازي ،فإِن جماعة بلغت في الدناءة والشراسة والقحة والجرأة أن قتلت جماعة من رسل الله وأنبيائه ،فلا مجال للاستغراب من تفوهها بمثل هذه الكلمات الكافرة .
ويمكن أنْ يقال في هذا المقام: إِن قتل الأنبياء مسألة لم ترتبط باليهود في عصر الرسالة المحمّدية ،فلماذا حمل وزرها عليهم ؟ولكننا نقولكما أسلفنا أيضاًأنّ هذه النسبة إِنّما صحّت لأنّهم كانوا راضين بما فعله وارتكبه أسلافهم من اليهود ،ولهذا أشركوا في إِثمهم ووزرهم وفي مسؤوليتهم عن ذلك العمل الشنيع .
وأمّا تسجيل وكتابة أعمالهم فلم يكن أمراً اعتباطياً غير هادف ،بل كان لأجل أن نعرضها عليهم يوم القيامة ،ونقول لهم: ها هي نتيجة أعمالكم قد تجسدت في صورة عذاب محرق ونقول: ( ذوقوا عذاب الحريق ) .
سبب النزول:
/خ182