/م190
ثمّ يقول: ( ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته ...) .
ويستفاد من هذه العبارات أنّ العقلاء يخافون من الخزي قبل أن يخافوا من نار جهنم ،وهذا هو حال كل من يمتلك شخصية ،فإِنّه مستعد لأن يتحمل كلّ شيء من الأذى والمحن شريطة أن يحافظ على شخصيته ،ولهذا فإِن أشدّ عقوبات الآخرة على هؤلاء هو الخزي في محضر الله وعند عباده .
على أن النقطة الجديرة بالاهتمام التي تنطوي عليها جملة ( وما للظّالمين من أنصار ) هي أن العقلاء بعد التعرف على الأهداف التربوية المطلوبة للإِنسان يقفون على هذه الحقيقة وهي أن الوسيلة الوحيدة لنجاح الإِنسان ونجاته هي أعماله وممارساته ،ولهذا لا يمكن أن يكون للظالمين أي أنصار ،لأنّهم فقدوا النصير الأصلي وهو العمل الصالح ،والتركيز على لفظة «الظلم » إمّا لأجل خطورة هذه المعصية من بين المعاصي الأخرى ،وإمّا لأن جميع الذنوب ترجع إلى ظلم الإِنسان لنفسه .
على أنّه ليست ثمّة أيّة منافاة بين هذه الآية ومسألة الشفاعة ( بمعناها الصحيح ) لأنّ الشفاعة ( كما قلنا سابقاً في بحث الشفاعة ) تحتاج إِلى قابلية وأهلية خاصّة في المشفوع له ،وهذه الأهلية والصلاحية لشمول الشفاعة تحصل في ضوء بعض الأعمال الصالحة الخيرة .
ثمّ إنّ أصحاب العقول وذوي الألباب بعد التعرف على هدف الكون والغاية من الخلق ينتبهون إِلى هذه النقطة ،وهي أنّ هذا الطريق الوعر يجب أن لا يسلكه أحد بدون قيادة الهداة الإِلهيين .
/خ194