التّفسير
التسبيح والحمد في جميع الأحوال لله !
بعد الأبحاث الكثيرة التي وردت في الآيات السابقة في شأن المبدأ والمعاد ،وقسم من ثواب المؤمنين ،وجزاء المشركين وعقابهم ...ففي الآيات محل البحث يذكر التسبيح والحمد والتقديس والتنزيه لله من جميع أنواع الشرك والنقص والعيب ،إذ تقول الآية: ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون ) .
وعلى هذا فقد ورد في هاتين الآيتين ذكر لأربع أوقات لتسبيح الله:
1بداية الليل ( حين تمسون ) .
2وطلوع الفجر ( حين تصبحون ) .
3وعصراً ( عشياً ) .
4وعند الزوالفي الظهر( حين تظهرون ){[3207]} .
أمّا «الحمد » من حيث المكان فهو عام وشامل لجميع السماوات والأرض .
وذكر هذه الأوقات الأربعة في الآيات المتقدمة لعله كناية عن الدوام والاستمرار في التسبيح ،«أي كل وقت وكل زمان » .
كما احتمل بعض المفسّرين أنّ المراد من هذه الأوقات الأربعة الإشارة إلى أوقات الصلاة ،إلاّ أنّهم لم يجيبوا على هذا السؤال ،وهو: لم ذكر في القرآن أربعة أوقات بدلا من خمسة أوقات ؟«ولم يرد الكلام على صلاة العشاء » !
ولكن يمكن الجواب على هذا السؤال بأن وقت صلاة المغرب مقارب لوقت صلاة العشاء نسبياً ،والفاصلة بينهما حدود الساعة إلى الساعة والنصف ،فجاءت الصلاتان في مكان واحد ،غير أنّ الفاصلة بين الظهر والعصر أطول نسبياً ،حيث تطول أكثر من ساعتين .
لكننا لو أخذنا التسبيح والحمد بمفهومهما الوسيع في الآية ،لوجدنا أنّهما لا يتحدّدان بالصلوات الخمس ،وإن كانت هذه الصلوات من مصاديقهما الواضحة .
وينبغي أن نذكر هذه المسألة «اللطيفة » وهي: إن كلا من جملتي ( سبحان الله ) و( له الحمد ) يمكن أن تكونا إنشاء لتسبيح الله وحمده من قبل الله سبحانه ،كما قال في الآية ( 14 ) من سورة المؤمنون ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) .
ويمكن أن يكون هذا الحمد والتسبيح بمعنى الأمر ،أي «سبّحوه واحمدوا له » .
وهذا التّفسير يبدو أقرب للنظر ،إذ الآيات المتقدمة هي بمثابة دستور لجميع العباد لمحو آثار الشرك والذنب من الروح والقلب كل صباح ومساء وكل ظهر وعصر ،فسبحوا الله واحمدوا له في الصلاة وفي غير الصلاة .
ونقرأ حديثاً عن النّبي( صلى الله عليه وآله ) يقول فيه: «من قال حين يمسي ثلاث مرات فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ( الآيات الثلاث إلى ..تخرجون ) أدرك ما فاته في يومه ،وإن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته »{[3208]} .